السبت، 22 أكتوبر 2022

146


نار الفرن


من شارع الجمهوريه اول فيصل

بين شارعى شريف وسعودى الصناديلى

زمن الكورونا و الالعاب الناريه والمفرقعات

والمخدرات



نار الفرن


وقف سعيد سعدينى  الغجرى خلف زجاج شرفة بهو شقته الجديده التى اشتراها مؤخرا بالعاصمة الغربية   يحتمى بتكييفها من موجة الحر التى راح ضحيتها العشرات من كبار السن فى دول الجنوب الاوربى .. يطيل سعيد سعدينى  الشرناوى النظر الى الوجوه المحمرّة المثقلة بقنوات العرق المتدفقة لتغرق الملابس ، وهرولة المارة الى داخل المحلات المكيفة هربا من موجة الحر القاتل .. يستدعى سعيد وقوفه لفترات طويلة أمام نار الفرن البلدى التى كان يعمل بها  فى الحضر الملاصق لواحة الصحراء الوسطى منذ قدومه من واحة سنور الى الحضر القديم لالتحاقه بالجامعة .. اكتفى سعدينى  الشرناوى حسين خضر الموظف بدائرة  المشتريات فى واحة سنور بتعليم ابنه سعيد حتى البكالوريا ليكمل تعليم ستة ابناء اصغر من سعيد وبحث لابنه عن وظيفة فى الدائرة  التى يعمل بها لكن سعيد كان يرغب فى مواصلة التعليم فى الجامعة وانتزع من والده الموافقة بصعوبة بعد أن أكد له عدم تكلفته درهما  فى دراسته بعد اليوم وسينزل على اصدقائه الذين يعملون فى فرن الحضر الملاصق للواحة  حتى يوفر لنفسه فرصة عمل يعيش منها ويكمل تعليمه .

انتقلت مشاعر الحنق على الحر القاتل من ابناء العاصمة الغربية  الى سعيد ابن واحة سنور الذى كان لايشعر بالحر فلقد افقدته نار الفرن التى كان يعمل بها هذا الاحساس منذ زمن .. يفرغ سعيد من دراسة يومه الجامعى فى تمام الثالثة ليتوجه الى الفرن ويتسلم الوردية فى الرابعة .. يتجرد من ملابسه الثقيلة حتى لاتؤذى جسده ويقف أمام نار الفرن المتقدة يرص الخبز على السطح عجينا ليستخرجه بعد قليل ناضجا فتتلقفه أيدى زملائه الذين ساعدوه فى العثور على هذا العمل .. يظل سعيد يغنى مواويل الغجر مع اصدقائه طوال الوردية  لتهون عليهم شدة حر نيران الفرن ، ويغادر مع انتصاف ليل الحضر  .. يسرع الى دروسه فى الغرفة التى تضم واحدا وعشرين فردا من غجر خضر بالصحراء الوسطى  ليتناوبوا النوم سبعة سبعة كما يتناوبون العمل .

تبرّم سعيد من وقفته فجاء بمقعد وجلس يراقب المارة من خلف زجاج شقته بالعاصمة الغربية.. مرّ عامان على عمل سعيد فى الفرن فرضخ لوصية زميله ممدوح عبد الراضى وراقب سلوك زملائه فى الكلية ليقدم تقريرا له كل يوم ، وغادر سعيد الفرن الى غير رجعة لكن مرارة خبزه مازالت تلازمه حتى وهو يتهيىء لدراسته العليا فى العاصمة الغربية  .. تزوج سعيد من بنات العاصمة كى يحصل على الاقامة بعد أن قرر أن يهجر الكتابة التى امتهنها فور تخرجه فى الجامعة والتى كانت السبب الحقيقى وراء سفره خارج القطر .

التحق سعيد بمعهد للحاسب الآلى وحقق فيه تفوقا وواصل فيه دراسته العليا الى جوار عمله فى المعهد .. علا صوت مارجريت زوجة سعيد الثانية تدعوه الى الغداء فأخرجته من بحار الذاكرة وأحرقت السيجارة التى كان يدخنها أصابعه فقرر أن يترك مارجريت التى تركت فى يده علامة أخرى تذكره بالنيران المتقدة التى لازمته لمدة عامين على أن يتزوج بثالثة من بنات المدينة تمنحه الاقامة وتنسيبه نار الفرن .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


==============================================================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق