الأحد، 16 أكتوبر 2022

 الغجر عوالم


126


سبيل سمره



من شارع الجمهوريه اول فيصل

بين شارعى شريف وسعودى الصناديلى

زمن الكورونا و الالعاب الناريه والمفرقعات

والمخدرات


سبيل سمره


يملأ جنش ناوى القلل الفخار العشرين من ماء سبيل سمره نحينح ويضعهم أسفل المظلة المصنوعه من جريد النخيل  التى صنعها طوال الموسم الماضى لتحميه من حرارة شمس الصيف القوية ويجلس .. يستل جنش ناوى عصاه العوجاء الغليظة التى ورثها عن ابيه ناوى عوكلى  خفير سبيل سمره ليبعد الاشقياء الصغار الذين يدأبون على سرقة القلل الفخار ويبيعونها فى سوق القلل القديمه حتى لاتوبخه الحاجه سمره نحينح وتقتطع جزءا من أجره اليومى عقابا له على تقصيره فى حماية السبيل الذى يروى المارة فى طريقهم الوعر الطويل بطول الصحراء الممتدة بمحاذاة صحراء  النمور لتزيد حسناتها أويبنى لها قصر فى الجنة كما كانت تفعل امها الحاجه عبيده مع ناوى عوكلى والد جنش .

يتوافد السقاؤن على سبيل سمره فيعلق جنش الجمل  ويغمى عينيه حتى لايغمى عليه من كثرة الدوران حول محور ترس الدائرة الكبير الموصولة اسنانه بأسنان دائرة ترس القواديس فتمتلىء القواديس عن آخرها لتخلو من مائها فى نهاية دورة التروس ويعاد تعبئتها لتصب فى الحوض الكبير فيملأ كل سقاء قربه بمقابل زهيد يضعه فى يد جنش ناوى لينتقل بدوره الى يد سمره نحينح التى لاترضى عن آداء الجمل  المغمى الدائر بالتروس ولاجنش ، وتشكو من قلة الدخل  ثم تلوح بخصم جزء من يومية جنش اذا ماتكاسل فيوسع جنش الجمل  ضربا حتى يزيد من دورانه ليزيد الماء فى الحوض .. يزدحم السقاؤون حول الماء فيعيد جنش ناوى ترتيبهم فى صفوف طبقا لأولوية الحضور وأحيانا لأولوية المشاكسين والأكثر قوة حتى لايفقد جنش عمله لدى سمره نحينح اذا ماماطله أحد الأشقياء ولم يدفع ثمن الماء .

يضع جنش عينيه فى وسط رأسه ويبعد الصغار بصوته العالى عن قلل السبيل ويلعن آباءهم وأجدادهم الغجر ثم يعود الى عمله حتى آخر سقاء فيفك قيود الجمل  ويرفع الغمامة عن عينيه ، ويرطب جسده بالماء ثم يقدم له طعام الغذاء .

يسرع جنش ناوى الى المظلة ليلتقط أنفاسه ويعاود الجرى وراء صغار الغجر  ليبعدهم عن سرقة قلل سبيل سمره حتى لايصيبه أذاها .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com

===========================================================

الغجر عوالم


128

شهود النفى


من شارع الجمهوريه اول فيصل

بين شارعى شريف وسعودى الصناديلى

زمن الكورونا و الالعاب الناريه والمفرقعات

والمخدرات


شهود النفى

 

وقف خمسة من الشهود أمام معالى المحلف ، وأقسم كل منهم أن يقول الحق ولايقول غيره بعد ذكر كافة البيانات من اسم وسن  و محل الاقامة .. بدأ الشاهد الأول شهادته وقال لجناب المحلف : اننى متأكد من رؤيته كما ارى عظمتكم الآن وهو جالس على حافة عين الماء  يفكر كيف سيفتعل الخلاف الذى يدب بينه وبين القتيل .. كانت عيناه زائغة .. تمتلك بريقا لامعا وغريبا فجلست على الحجر  المواجه له عن بعد لأتيقن من عقد نيته .. أطلقت عينى داخل بئر عينيه المظلمتين .. وجدت الشر قد توسد القاع ، أسرعت باعادة عينى الى مكانهما وغادرت المكان حتى لايصيبنى مكروه ولم أر شيئا بعد ذلك لأننى لزمت خيمتى بعد ذلك حتى تم القتل 

جاء الشاهد الثانى وأكد للمحلف قيام القاتل من مكانه واتجاهه الى مكان  القتيل الملاصق لعين الماء بينما علا نباح الكلاب  ليغطى على بداية الحوار بين القاتل والقتيل حتى علا صوتهما على صوت النباح  فاتضحت معالم الكلمات ، وقال القاتل : هذا مكانى  المفضل الذى أجلس عليه منذ عشرين عاما فى تمام كل خامسة طوال الأيام التى لاتعد ولاتحصى .. فلماذا تجلس عليه؟ .. وجئنا ياسيدى المحلف واسطة خير وحاولنا التوفيق بين القاتل والقتيل لكن القاتل أصر على موقفه واستطعنا اقناع القاتل بالعودة الى المكان  الجديد فعاد لكن دمه كان مازال يغلى فى عروقه فنزل وشرب من عين الماء  وعاد الى مكانه ، وانصرفت ياسيدى عائدا الى خيمتى .

قال الشاهد الثالث : مرت ساعات على ماحدث وأخذ كل منهما ينظر الى الشمس الغاربة فوق مياه العين  التى لوّنتها الأشعة باللون الأحمر ثم تركا المكان فى وقت واحد .. قال الشاهد الرابع : لقد سرت وراء الأثنين مخافة أن يحدث مكروه بطول الدرب الموازى لمياه العين الواسعة ..تقدم المسيرة القتيل ووراءه القاتل ، وأنا من خلفهما ولم يتمكن أحد منهما من رؤيتى حتى تتسرب الطمأنينة الى قلبيهما كلما أضاء نور نجم من نجوم السماء  الوجوه ولم يحدث مايعكر الصفو فعدت مسرعا حتى لايأخذ أحد مكانى على العين . 

بدا الأضطراب والتلعثم فى أقوال الشاهد الخامس الذى أكد رفع يد القاتل بخنجره المسموم وأرسله فى صدر القتيل ليسقط وفر القاتل بفعلته .. سأل معالى المحلف الشاهد الخامس عن مدى وضوح الرؤيا للحادث فقال الشاهد : كانا فى منطقة الاظلام بعيدا عن بؤر نور النجوم  

رفع القاضى أصابعا أربعة من يده اليمنى وقال للشاهد : كم اصبعا ترى ؟ .. لم يتمكن الشاهد من العد ..

 جاء دور شهود النفى ليؤكد جميعهم بأن القاتل كان فى صحبتهم وقت حدوث الجريمة وعدد كثير من الشهود الآخرين رؤية المتهم فى نفس التوقيت بعيدا عن مسرح الجريمة وأكدوا أن هذه مكيدة من خصوم القاتل والقتيل أرادوا أن يتخلصوا من الأثنين معا فاستثمروا الخلاف بينهما على المكان الاقرب الى العين  وفعلوا فعلتهم .. حكم معالى المحلف ببراءة المتهم استنادا للكثرة من أقوال شهود النفى 

قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com

============================================================

الغجر عوالم


129

ضغط الهواء


من شارع الجمهوريه اول فيصل

بين شارعى شريف وسعودى الصناديلى

زمن الكورونا و الالعاب الناريه والمفرقعات

والمخدرات


ضغط الهواء


تتأوه سوفيه أبوزوين الغجريه من شدة ضغط الهواء الذى يعلو جسدها بعدما جردتها الممرضة من كل ملابسها الخفيفة والثقيلة لتنهى كل الفحوص التى أمر بها طبيب الحضر  عقب سقوطها بين فتيات مشغلها وهى تعلمهن الصبر على الزبائن من المشترين .

جاءت سيارة الاسعاف من الحضر المجاور للصحراء الوسطى  وصعد الرجلان بالمحفة المطاطية حتى انقطعت انفاسهما بعد انهاء رحلة مائة درجة من السلالم الحجرية  العمودية  المؤدية الى اعلى تل ليله حيث توجد خيمة سوفيه ابوزوين  الغجرية ملاصقة لخيمة مشغلها الكبير .. مازالت الفتيات تلطمن على وجوههن وصدورهن وهن محيطات بسوفيه العزيزه الغاليه التى تعهدتهن منذ نعومة أظافرهن حتى اشتدت أعوادهن وطرق أبوابهن الكثير من اولاد الحلال ومازلن يفكرن .

جفت دموع الفتيات من شدة حر الجو المحيط بالمعلمة سوفيه فوق سريرها الحريرى فى قلب خيمتها  فأسرعت الفتيات الى فتح كل شرفات الخيمة  .

حمل رجلا الاسعاف الجسد الملقى على الارض ووضعاه فوق المحفة لتبدأ رحلة هبوط المائة درجة من السلالم العمودية المؤدية الى اسفل التل حيث تقف سيارة الاسعاف ذات الدفع الرباعى .. تزداد تأوهات سوفيه مع اقتراب جهاز الاشعة على الصدر والبطن وتعود الى صمتها ليسجل الاطباء النتائج التى تخرجها لهم الاجهزة.

تلتقط عينا سوفيه بعض الصور مع كل افاقة لها فترى لهفة فتياتها وخوفهن على مصيرهن اذا مارحلت سوفيه عن الكون وتركتهن بلاسند ، وتعود سوفيه الى الاغماءة لتتأرجح صورة رجلى الاسعاف وهما يحملان المحفة فى رحلة الهبوط حتى اخرج كل منهما لسانه من فرط التعب ثم ارتميا الى جوارها فى السيارة لينطلق السائق بسرعة البرق كى يتم اسعاف السيدة ورجلى الاسعاف اللذين أوشكا على الهلاك .

تبع خمس من فتيات المشغل سيارة الاسعاف وقضين خمسة عشر ساعة فى صحبة سوفيه منذ وصولها الى غرفة الفحص وتنقلا بين غرفة الاقامة وتعليق المحاليل   وغرفة الفحص ليواصل الاطباء تسجيل النتائج التى تسفر عنها الفحوصات .. مازال ضغط الهواء يزيد على جسد سوفيه كل خمسين دقيقة هى ميعاد الفحص الذى يستغرق خمسة عشر دقيقة لتعود بعدها سوفيه الى غرفة الاقامة .

فرغ الاطباء من ثمانى عشر فحصا لم تسفر عن سبب واضح  لسقوط سوفيه فتركها الاطباء بعدما سددت الفتيات ثمن الفحوصات والاقامة فى الغرفة الخاصة    والمحاليل التى مازالت تتدفق الى داخل الجسد الممدد على سريره .

مرت تسع ساعات أخرى لتفتح سوفيه عينيها ويوقفها الفتيات على ماحدث فتقرر سوفيه المغادرة بعد أن أوصاها الاطباء  بالبعد عن الارهاق فى المشغل والاقلاع عن تعليم الفتيات الصبر الذى أدى الى عدم زواجها وكبت اجمالى انفعالاتها على مدى عمرها الطويل مما أدى الى سقوطها المفاجىء .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com

============================================================


الغجر عوالم


130

عيون البوم

 

من شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا

و الالعاب الناريه

والمخدرات  طوال الليل والنهار


عيون البوم

 

تتحول عيون البوم الى كاميرات عالية االحسساسية فتصوّر كل مايعرض لها صغيرا كان أم كبيرا ثم تضعه فى الذاكرة ، وتعاود طيرانها فوق الاحياء والطرقات الضيقة فى دروب الصحراء الوسيعة معتلية تجمعات النخيل الجرداء لتتوحد مع الجريد  الذى تقف عليه، ولاتصدر صوتا حتى لايلتفت اليها أحد ويأخذ حذره 

تقول الجدة حميده بنت الشيخ على : ان البومه نذير شؤم ويجب على من يراها أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شر هذه المخلوقات التى يسبطر عليها الشيطان .. نستعيذ بالله العظيم من شر الشيطان الرجيم صغارا كنا أم كبارا وخاصة حين يعلو صوت  نذيرة الشؤم بعد أن تتصيد أخبارها وتسمع مايسره بعضنا أحيانا الى نفسه لتنقله الى عميش فاهيمى الذى دربها على نقل الأخبار لتنال وجبتها المفضلة من الفئران السمينة التى يستأثر هو بها فى مصايده المنتشرة فى كل أنحاء الصحراء الكبرى ، ولاتستطيع بومة غريبة قادمة من الغرب أوالشرق أوالشمال أو الجنوب أن تقترب من فئرانه المحبوسة خلف أسواره المنيعه حتى تقدم فروض الولاء والطاعة لعميش فاهيمى وصيف شيخ قبائل الغجر عليم راجح 

تدير بومة عميش السمراء رأسها فى كل اتجاه تتابع الأخباربآذانها التى تسمع دبيب النمل وحفيف سعب النخيل  المتساقط فى نهاية فصل الخريف وتعود ثانية الى حضن الوصيف الذى يتركها مع أكلها المفضل وينطلق حاملا أخباره الى شيخ القبائل  الذى يبدأ فى التخلص من خصومه الذين عددتهم البومة نذير الشؤم كما تقول الجدة حميده بنت الشيخ على 

يأمر عليم راجح رجاله بالقضاء على شيخ المخفر  طويل اللسان ويحل عميش فاهيمى  محله .. ثم يأمر بالتخلص من مساعد شيخ المخفر يده التى يبطش بها ويعين رجاله بدلا من الخفراء القدامى فيحمل كل رجل شارته الجديده على كتفه 

يجزل عليم راجح العطاء لعميش فاهيمى فيفرح عميش كثيرا ويعود محملا بالعطايا الى حظائر فئرانه التى جلبت له السعد ويزيد من أكل البومة التى تنطلق لتعود محملة بالمزيد من الأخبار فى ثلث الليل الأول ، ولايطيق عميش الانتظار فيسرع الى حضن سيده شيخ القبائل  عليم راجح ليحذره من ابن عمه ذيباوى راجح ، ويسمع رجال ذيباوى التتحذير من خلف الباب فيركب الرجال الخيول التى تسابق الريح قبل أن تصل يد شيخ القبائل الى رقبة ابن عمه فيأمر ذيباوى بقتل عميش فاهيمى. 

تجوع البومة  فتصاب بعدم القدرة على الابصار فتعجز عن نفل الأخبار و تتخبط بين جريد النخيل الكثيف غير قادرة على الاتزان لتسقط ميتة وتتخلص الصحراء الكبرى من البومة نذير الشؤم كما تقول جدتى حميده بنت الشيخ على. 

قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


==============================================================


الغجر عوالم


131

فقاقيع


من شارع الجمهوريه اول فيصل

بين شارعى شريف وسعودى الصناديلى

زمن الكورونا و الالعاب الناريه والمفرقعات

والمخدرات



فقاقيع

شربت نورين كثيرا من الخمر المعتقة  ودارت رأسها فقطعت وعدا على نفسها بأن لاتجوع أخواتها وأمها ثانية فى واحة معيص ، وستأتى لهن بكل غال من قلب هذه العاصمة الرحيمة بابنائها وقد اصبحت واحدة منهم منذ اربع سنوات مضت .

رفعت الجميلة آخر قطرة من كأسها على الشفتين الورديتين فبادرها الروائى بالتحية وصب لها من زجاجته المليئة كأسا لترد التحية بامالة اهدابها الطويلة لتطبق على بياض مشرب بلون النار و نن عين  ليل عميق ثم تفتحهما على كأسه فتأخذها القطرات المتساقطة الى شجارها الدائم مع زميلاتها فى مدينة المغتربات ومجيئها فى أول يوم دراسى .

كانت الجميلة محط انظار طلاب السنة الاولى .. تطلق شعرها للهواء فيتسابقون للحاق به ، وتود كل صغيرة ان يقتذحم عالمها الجديد بعد سنوات العزلة فى أقاصى الصحراوات  الواسعة .. يشد الروائى آذانه لتلامس شفاه الجميله التى تسترسل : مازلت انتظر الفارس الذى سيخطفنى على حصانه الأبيض وتلحق بى أمى واخواتى الاربع بعيدا عن مضارب الغجر.

لاتترك الفتيات الجميلة حتى للحلم فيفتعلوا الخلافات معها بسبب كشاكيل المحاضرات أو الكتب أوحتى اصبع الروج البنى النادر الوجود فى محلات كثيرة والذى اهدته لها زميلتها هبه الريس عيد فى عيد ميلادها الثامن عشر والذى وافق الشهر الخامس من بداية السنة الدراسية  ، كانت هبه قد اشترته من محل اسفل منزلهم فعنفّها والدها على لونه  لتهديه الى نورين فكان متميزا بين شفاه كل المغتربات ، واستعارته معظمهن  ، وتقاتلن على الاستئثار به .

يفرغ الروائى كأسه الأولى فى جوفه ويصب الثانية لنورين عرفان الزهايرى فتواصل حديثها عن أخواتها الاربع بعد وفاة عرفان الزهايرى  ولد الغجر نجار الواحة الوحيد ودأب زوجته خضره البحيرى على متابعة العمل فى خيمة ورشته الصغيرة لسد احتياجات بناتها الخمس .

تتبقى بعض الفقاعات فى قاع الكأس بعد أن تفرغه نورين فيسب الناقد ويلعن الظروف الصعبة التى ألمت بالحسناء فتتجه اليه عيون نورين .. يملأ الناقد كأس نورين لتواصل : الويل لك ياشعرى كل الويل  .. ان لم تك ردائى  .. ان لم تك سميرى فى الغربة وغربة العذارى الاربع والعجوز المنهكة خضره .

تخرج نورين منديلا ورقيا من حقيبة يدها لتجفف عرق الوجه وتواصل : أتوق الآن الى رؤية سعاد صغرى الأخوات لأصفف شعرها وتتنقل عصفورة مغردة بضحكات شقية لتمسح لون الشقاء من على  سقف وجوانب الخيمة الحزينه .. تجلس سعاد أمام نورين  .. تضفر شعرها .. تستنفذ كل ماحفظت من أغانى طفولية عن خضره الأم  .. تأتى بكتاب الأغانى الذى استعارته من زميلتها ياسمين هنداوى حين دعتها على الغذاء فى منزلهم بحدائق النور كى تلبى شغف سعاد اختها الى الغناء الطفولى .

تطفو الفقاقيع على سطح منتصف الكأس أمام نورين فيواصل الرسام رسم الوجه المنهك ويكمل لها الكأس لتفرغه فى الجوف الملتهب.. يضيف الرسام الى اللوحة وجه اختها ريهام الجميل .. لم تزل فى السنة الثانية من المرحلة الاعدادية بمدرسة الحضر الملاصق لواحة معيص  .. تذوب عشقا فى ابن زين البقال  الذى يصاحبها دوما فى رحلتها اليومية من الواحة  الى الحضر  ذهابا وايابا للدراسة ، وتمل الصغيرة نصائح نورين التى سقطت قبلها فى بحر الحب العميق .

تعددت المستويات فى لوحة الرسام فذاب وجه الجميلة وسط زحام المدينة وتاهت تفاصيل الواحة  ووجه خضره بنت عواد رحوم الغجرى البسيط ، وبناتها الاربع فى قلب ورشة الراحل الغالى عرفان الزهايرى .

تواصل الفقاعات انفجارها فى قاع الكأس فيسخر المحامى من كلمة حق التى يرددها كل من الروائى والناقد والرسام والقاص تعقيبا على رواية نورين ويستعيد ماحدث له اليوم على سبيل الخطأ من ضرب أفضى الى الشرب حين جاء فى اتوبيس الضواحى الى قلب المدينة وكان ينهر بعضا من الشباب الذين ضايقوا سمراء تقف امامهم بين مقاعد الحافلة  فأوسعوه ضربا لولا اعتذاره لهم ماتركته ايديهم الفتية ، وقرر ان يعود فى نفس الاتوبيس الى جحره غير انه فضّل الشرب لينسى .. تلتقى العيون المتلألئه بالدموع فتتحول فقاقيعا فى كأس المحامى والكأس الذى يصبه لنورين .. تحسد نورين اختها رقيه على تماسكها الذى يشبه تماسك المحامى بالنسيان وتماسك ريهام عبد الودود زميلة نورين .. بنت عبد الودود طايل البواب بالمنزل رقم خمسمائة بالشارع الطويل وتظل ريهام على عهدها فى الحصول على التقدير الجيد المرتفع كل عام لتزغرد امها وسط زحام اخوتها السبعة وعبد الودود فى حجرتهم اسفل سلم العقار الذى يعمل به عبد الودود .

تعلو الفقاعات فى قلب كأس القاص المحب للتكثيف والايجاز فيبادر نورين بالكأس تلو الكأس كى يتمكن من اصطياد قصته القصيرة من بين شفاه الجميلة ، وكم عشقت نورين هذا السلوك حتى تتقلص الآمها على صفحة من ورق ليصبح قصيدة تنشرها فى صحيفة وتنتظر المقابل الذى يعينها على الاقامة فى المدينة .

عشقت شاهيناز اختها عباس الرحمانى تاجر المواشى وتوقفت عن الدراسة المتوسطة  كى تنجب له البنين الذين سيساعدونه فى تجارته وتساعد امها خضره واخواتها سعاد وريهام ورقيه .. تزيح نورين صورة شاهيناز لتستدعى آخرا من عشّاق شعرها زميلها مسعود فقيرى الذى ترك الجامعة فى السنة الثالثة ليعمل مع والده فقيرى النن السمسار .

يحار القاص فى عوالم نورين عرفان الزهايرى كما يحار كل الجالسين على مائدة الفقاقيع التى تنتشر فى الفضاء مع كل زجاجة تعانق كأسا ، وينسى الجميع قصة الجميلة بعد المغادرة الى المنازل حتى لو اصطحب أحدهم نورين لتبيت لديه لليلة بعدما أغلق بيت المغتربات بابه فى وجهها فى انتظار العثور على وظيفة تعينها على مساعدة امها واخواتها .

توغل نورين فى ادمان الفقاقيع وتقف حائلا بين اخواتها والفقاقيع فتواصل خضره تربية بقية البنات .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


==============================================================



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق