من شارع ابوشلبى .. متفرع من اول فيصل
1بولاق الدكرور
14
البحث مستمر
كان دتئم القلق .. معلق النظر بشىء لامحدود .. يوحى بريق عينيه
بفقدان صوابه .
جلس الى جانبى يهذى ببعض الكلمات .. لم اتبين واحدة مما قال ..
لم اعره اهتماما حتى لايفر من جوارى .. خلسة وجهت نظرى اليه .. اصطدمت عيناه بى ..
ألفيته مذعورا خائفا من نظراتى المتفرسة .. بين آلاف العيون المزدحمة بمقهى
الميدان .. رغب فى الفرار .. أمسكت بيده .. استبقيته .. استكان .. ابعدت ناظرى عنه
، ومازلت ممسكا به حتى اطمأن .
لمعت عيناه .. امتلأت بالدموع والمقهى ضجيج .. بدأ حديثه بصوت
خافت دافىء متردد .. يحدثنى ويحدثها فى آن واحد : ضاع .. ضاع ليلى .. فتشت عنه فى
البادية والحضر .. نقبت فى أعماق بحر المر .. جف ّ القلب ليلى صار جمادا .. رحت
أغنى بلاصوت .. أنادى غير مسمع ولامن مجيب .
كان فيصل زهرة شباب حينا .. توسم الكل نبوغه .. متقدما كان فى
المدرسة ، والجامعة وفى عمله كمدرس .. كنا نتحلق حوله فى مسجد أم الايتام عقب خروج كل يوم من المدرسة الثانوية .. نقطع
المسجد جيئة وذهابا .. نذاكر ونسأله كثيرا .. يخرج بعضنا الى منزله مع صلاة العصر
.
ينتهى عامنا الدراسى .. يرتحل فيصل واسرته حينا الى كفر موس ،
ويعود السندباد يروى حكاياته فى تنقله مع خاله عبر الشواطىء يبيع الشماسى .. يحتوى
البحر بين عينيه .. يتطلع الى الشاطىء الآخر .. يتجول بخياله فى عواصمه الجليدية
.. بعد حلمه .. آل الى حالته .. يحدثنى .. يحدثها : - الم تره ؟ .. ألم ترينه ؟
- أجابنى الحيوان - ليلى - عرفه ربيعا .. سجنته الريح .
- أين باأصدقاء ؟
- لاندرى ، ولكن غنى وغنى .. حتمت ستجده .. فى الحارات هذا
احتمال .. فى المصانع خلف التروس قد يكون .. فى المزارع هنا أوهناك ، أونائما الى
جوار بحر المر القديم .
صمت فيصل طويلا .. طلب منى سيجارة .. أخرجت علبة .. راح يدخن
.. أسرح معه يفصلنا دخان السيجارة .. دوائر دوائر .. خاب ظنه .. ريفى الطباع هو ..
لم يدق باب المدينة الكبيرة الا لعمل والده .. ملّ عمله .. يخرج صباح كل يوم الى
المدرسة .. يكرر مايقول فى كل فصل ، وفى
كل عام .. يعود بعد ظهر كل يوم الى النتزل .. يغرق فى محيط مكتبته .. يبحث عن
المجهول .. يحيا غريبا بين أفراد أسرته .. اخوته كثير وأبواه مرهقان .
يرفض فيصل الدروس الخصوصية .. تجتاحه قشعريرة ، والدخل محدود
.. يتنفس بارتياح مع كل قصيدة ينشرها .
تململ فيصل فى جلسته . واصل تدخينه .. حدثنى .. حدثها : عاد
المجنون الى قبر ليلى وروت دموعه ثراه .. استيقظت ليلى .. مسحت دمعه .. خففت آلامه
.. واسته : ألم تنته بعد ياقيس ؟
- كيف ليلى ؟
- نم الى جوارى حبيب العمر .
- لم أخلق للنوم قط .. أضاعوك ليلى وأضاعونى ، وضيّعوه .
- لن تعيده ياثيس .
- سأعيده ياابنة العامرى .. كنت معك وحيدا .. اليوم قيس كلهم .
غنيّت ياقيس كثيرا ، ولم يجد غناء .. سجنت نفسك حيا .. أبعدوك
عنى وزوجونى .
أطرق فيصل ثانية .. طال صمته .. كان لايشعر بوجوده الا فى
عالمه الخاص .. عاد الى سيجارته .. يحدثها : ارتحلت عبر ريفها الملم أشلاء الممزق
.. أعيده الى زوجته الملهوفة .. دبّ الخدر الاصفر فى العروق .. الكل ثمل .. الجدة
هنومة أسفل التعريشة تروى حكاية عابد وورده .. تخرج لنا البصل المشوى من الفرن
نتلقفه بشهية لاتنسى .. لاننظر الى موائد الضيوف المعدة بالمندرة .. ننطلق الى
الحوش .. نتسلق نخلة المنتصف .. لانقدر .. نلطمها بالحجارة .. تصرخ الجدة .. تنادى
ام فيصل .
تهرول الام لتبعد الصغار عن الجدة ، وتعاود عملها بالمنزل ..
يشعل فيصل السيجارة من سابقتها ، ويركن الى صمته .. يزداد بريق عينيه .. يتغيّر
وكثيرا ماكان تغيره .. منذ ثلاث سنوات مضت رآها لأول مرة فى ممر الدور الثانى
بالمدرسة .. انتابته هزّة طالما تعودها مع كل طارق جديد لأبواب قلبه الموصد ..
حملق .. نظرت اليه متعجبة .. عاود النظر .. خلّفته وراءها .. انتظر بالاستراحة
علّه يظفر بنظرة أخرى .. تعاود المرور .. يعاود النظر .. يود مبادرتها الحديث ..
أخذته عيناها المذعورة .. سباه قوامها الملفوف .. لم يرد على أحد منا .. فوجىء بها
قادمة الى العمل بعد انتهاء وقته .. لايوجد سوى المدير والمعاون .. خاف .. تغلغلت
داخله .. ضمهما عمل واحد .. تجنب جاهدا ابداء أى اهتمام بها .. تمنى كثيرا حوارها
.. أمسك بتلابيبه ، وتركته .. يقبل عيونها الخضراء ، و ماأحلى عذاباته .
يشقيه حبه .. تجاوبه نفسه .. تعده بيوم حب ..يدخل القاعة ..
تبحث عيناه .. لايجدها .. لايعير أحدا التفاتة .. يجلس .. يتابع الحديث أحيانا
بتأفف شديد .. تدخل .. لاينظر اليها .. تتجمد مشاعره .. يستسلم لها .. يأتى اليوم
الثالث .. يلاحقها .. تنفك عقدة لسانه .. يتواعدان .. يلتقيان .. يمضى الشهر
والشهران .. تبدأ العودة .. تجىء فاطمة زميلة ليلى برغبة عبده الديب فى الزواج من
ليلى .. ينتفض فيصل .. يحاول الهروب .. امسك بيده .. استبقيه .. اطلب شايا له ،
وامنحه سيجارة رخيصة .. جلس .. حدثنى وحدثها : لدى عبده الديب ستة أدوار وسيارتان
.. لم ترد ليلى فى أول الامر .. امهلتها فاطمة الفرصة .. عبده يمتلك متجرا لبيع
وتأجير السيارات .. كان صبيا بورشة متولى الميكانيكى وعرف الصغير لدى أهل الحى
بخيشه .. عرف خيشه طريقه فى الغاسواق الحرة .. زاد الحاح فاطمه .. ليلى تحب قيس ..
عم مصطفى والد ليلى ساع بسيط يعمل فى مصلحة .. لديه من البنات أربع وليلى .. الح
عليه عبده الديب لتكون ليلى رابعة زوجاته .. استسلم واستسلممت ليلى .. دقت النيران
داخل فيصل .. اعتكف شهر العسل .. خرج هائما .. طوّف بارجاء العاصمة الثلجية ..
يلجأ الى أم الايتام ليشم صباه ، وفى المدرسة تزوره السكينة .. تطول لحيته ..
يتشعث شعره .. تتمزق ملابسه .. يودع المصحة . تضيع كل المحاولات فى استعادته ..
يلف .. يدور .. يبحث عن المفترس فى قلب المدينة .. لايجده .. ضاع .
همّ فيصل بالقيام .. حاولت أن استبقيه .. لم يشعر .. تركنى وسط
الزحام .. ذاب وسط الطوفان .. ضاع ، وضاعت ليله ، ومازال بحثه مستمرا .
mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com
العنوان / 18 ش الجمهوريه متفرع من ش
المساكن
خلف مدرسة الشهيد احمد عبد العزيز
بواق الدكرور بالجيزه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق