الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

 


الرايه

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار

الرايه


يمد الصغار أيديهم  بالأرغفة الشمسى والقرص الى بشير فهمى كى يحصل كل منهم على بعض من الراية المملحة الملفوفة فى أحضان الورق الاصفر .

يقف بشير فهمى صغيرا لم يتجاوز الثامنة عند ملتقى المقابر فى صباح يوم عيد الفطر  المبارك حيث يعشق الصغار الملوحة بعد صيام دام ثلاثين يوما .

يرش بشير قليلا من ماء الملوحة على سمك الراية الصغير الذى أمامه فى قلب الصفيحة الكبيرة حتى تروق لعيون الصغار المتزاحمين حوله يكررون :  برغيف رايه .. بقرصه .. بكعكه .. ببرتقاله .. ببعض التمر .

يسرع بشير الى لف اللفائف فيفرح الصغار بافطارهم المنفصل بعيدا عن أسرهم الى جوار شواهد مقابر قبلى الواحة ، ويحصد بشير فى يوم العيد مقابل سبع صفائح يضعه فى الجوالين اللذين بجانبه حتى يمتلئان وتفرغ الصفائح ليسد احتياجات فهمى عثمان والده المريض بالربو من كثرة تعاطيه للتبغ المعسل القص الساخن ، وأمه نعمة الله حفظى لمدة شهرين وعشرة أيام الى أن يأتى عيد الأضحى المبارك ليأتى بصفائحه السبعة التى يملكها فهمى عثمان مليئة بسمك الراية المملح ليبيعها فتسد حاجتهم لمدة شهرين آخرين وعشرة أيام ليبدأ بشير فى خروجه الدائم بعد ذلك حاملا صفيحة واحدة أيام الجمع والآحاد حين يطلع الأحياء على موتاهم ترحما ، ولايبيع بشير فى هذه الأيام الا القليل من الراية المملحة حتى أن الصفيحة الواحدة تباع على مدى ثلاثة أسابيع فيقل جهد نعمة الله حفظى فى التمليح وفهمى عثمان فى لحم الصفائح ، ولاينزل بشير بحر الواحة المتصل بالبحر المالح الكبير  الا ليوم واحد بينما ينزل قبل الاعياد أيام السبت والاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس ليصطاد سمك الراية ببطن جلباب أمه القديم ، وتسرع نعمة الله الى وضعه طبقات فوق بعضها يفصل بينها الملح الكثير وقليل من البقايا لتعجل من تسويته ، ويقوم فهمى عثمان بتسخين مكواته الحديد على نيران الكانون الحجرى حتى تتحول الى اللون الاحمر فيضع ماء النار على أطراف غطاء الصفيحة ويحكم اللحام ، وحين يفرغ من صفائح بشير يتجه الى مخزن تجار الملوحة الكبير - ومازال يسعل بقوة - ويبدأ فى لحم الصفائح لتخزن ويتم توزيعها على اسواق الحضرالذى يحب السمك المملح .

برغيف رايه .. بقرصه .. بكعكه .. ثم تختفى أصوات الصغار ايذانا برحيل النساء والصغار عن المقابر لتحمل نعمة الله حفظى جوالا من خير ربنا ، ويحمل بشير الجوال الثانى ويسبق أمه الى المنزل ليستحم ويرتدى جلبابه الجديد كى يلحق بالمراجيح التى تعلو به فى أجواء الفضاء ثم تهبط به الى الأرض مع اقتراب رحيل الشمس ، وليستمع  الى شاعر الربابة ومازالت رائحته تفوح بماء ملوحة سمك الرايه .

قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق