عريش كارو
تنزع ريم الجبلاوى عريش الكارو من على جانبى حمارها القديم بعدما قرر ان لايخطو خطوة اخرى من ثقل صناديق الفاكهة التى حملتها ريم لتلحق قدوم ابناء القبائل لشراء معظم احتياجاتهم من سوق السبت بالواحة الوسطى .
يسقط حمار ريم من الاعياء فيخيل للناظرين فقدانه للحياة فيرثى المارة لحاله ويلعنون آباء ريم القدامى والمحدثين فلاتعيرهم انتباه لتواصل رفع العريش من على جانبى الحمار العنيد ، وتصر على ركله فيزداد لعن آبائها ، ويعلن مائة من ابناء القبائل تضامنهم مع الحمار وسيشكون ريم فى مقر جمعية الرفق بالحيوان القريبة من الحضر ، وعلى بعد الخمسمائة متر من مكان حادث مقتل الحمار المسكين .
تنهر ريم ابنتها سلوى عن الاقتراب من الحمار حتى يعود الى وضع الوقوف.
تخشى سلوى على امها من عقاب الجمعية الذى يصل حبسه الى سنوات وسنوات لاتعد.
تأمر ريم سلوى بالمساعدة فى رفع العريش الثقيل وتبعدانه عن ظهر الحمار ، ويأخذان فى تحريك كارو ابيها عبده عرباوى القادم من اعماق الواحة الكبرى هربا من ثأر ابيه
بعد اصرار امه على ان يأخذه هو دون اخوته الصغار ففر هو ومعشوقته ريم بنت رفاعى الجبلاوى شيخ قبيلته ، واستقرا فى قلب الواحة الوسطى ليبيع الفاكهة على عربته الكارو، وأدمن عبده عرباوى استحلاب فصوص الافيون الصغيرة حتى صار عظاما دون لحم لايرى منه سوى جحوظ عينيه الثابتتين النظر الى عمق الواحة الكبرى وطنه الام ، بعدها قررت ريم ان تتحمل الصرف عليه وعلى كيفه وبناتها الخمس سلوى ومى ونورا ومنى وفريده .
تصرخ سلوى فى أخواتها الاربعة ليهرولن اليها ، ويبدأ الستة فى تحريك الكارو الثقيل الى الخلف حتى يبعدن بها عن جثة الحمار الفاقد للحياة حسب أقوال كل شهود حادث قتله واصرارهم على اتهام ريم الجبلاوى أمام لجنة جمعية الرفق بالحيوان والتى ستشكل خلال الاربع ساعات القادمه وتأتى للقبض على ريم الجانية وازاحة الجثة من طريق المارة تمهيدا لنقلها فى سيارة تكريم الحيوان الحمراء التى سترسلها الجمعية .
تستقر ريم بكارو عبده عرباوى أمام باب خيمة شيخ السوق وتبدأ فى بيع التفاح الاصفر والاخضر والاحمر كل حسب سعره وحسب شريحة المشترى وغناه من عدمه ، وهى كعبده عرباوى تحفظهم عن ظهر قلب واحدا واحدة .
يواصل بنات عبده عرباوى الخمسه تكييس الاوزان ، واستبعاد المعطوب من التفاح والقائه امام فم الحمار العنيد الذى يصر على عدم الحركة .
يقترب موعد انصراف رواد السوق فيمتلىء كيس ريم بالنقود .
يظهر من على البعد موكب سيارات جمعية الرفق بالحيوان ، وتظهر من خلال نوافذه رؤوس الموظفين المتقدمين بالشكوى ضد ريم الجبلاوى فتقشعر ابدان بناتها خوفا على امهم من سنوات الحبس التى تنتظرها بعد النظر فى قضية مقتل الحمار .
تتقدم ريم الى اسفل عريش الكارو وتخرج من الحافظة القماش حزمة من البرسيم وتمسح بها عرقها ، وتتجه بها الى أنف الحمار العنيد فيطيل تشمم رائحة العرق لتعود اليه كامل طاقته فينهض واقفا على الاربع
.. يخرج لسانه ليلتقط اعواد البرسيم مارا على يد ريم ليلعق عرقها المحبب الى نفسه .
تبدأ رؤوس الموظفين المطلة من نوافذ سيارات موكب جمعية الرفق بالحيوات فى العودة الى الداخل ، وتسقط ايديهم الى جوارهم
.. يستقر الركب ويتم توجيه تهمة البلاغ الكاذب للمائة من المتقدمين بالشكوى ضد ريم الجبلاوى ، وتوجيه الشكر الى ريم المحبة للحيوان والعاشقة له التى تدأب على اطعامه بنفسها حين تخلو به دون بناتها حين يعلو شخير عبده عرباوى .
تنصرف اللجنة لتزغرد البنات الخمس وتعدن العريش مع ريم الجبلاوى الى جانبى ظهر الحمار الذى دبت فيه الحياة مع تشممه لرائحة البرسيم المندى بعرق ريم الجبلاوى الذى يحبه .
يبدأ ركب ريم فى رحلة العودة الى عبده عرباوى المستقر بخيمته فى انتظار رأس دبوس الافيون الصغير الذى ستأتى به ريم من أقرب بائع مخدرات فى طريقها ، وتدسه فى الحافظة القماش ليستحلبه عبده فتعود اليه الحياة كما تعود الى حماره كل يوم لساعات ثم يعود الى حالته بجوار عريش الكارو .
قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى
عضو اتحاد الكتّاب
عضو نقابة المهن السينمائيه
mahmoudhassanfarghaly@gmail.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق