الأربعاء، 30 سبتمبر 2020

 علوشه جاز

من شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمفرقعات والمخدرات


علوشه جاز

تطلق علوشه جاز مائة من اطفال الدروب  تتراوح اعمارهم بين العاشرة والثانية عشر حين  تخلو الدروب  من المارة .. يدخل كل درب اربعة من الصغار  يقف اولهم على ناصية الدرب ، ويظل الثانى على الناصية الاخرى ليؤمنا عمل الاثنين الآخرين .

يمسك الثالث سلسلة من المفاتيح .. يقف الى جوارخزان وقود الكلوبات .. يبدأ فى ادارة المفاتيح فى كالون خزان الوقود كى يتمكن من فتحه.. يضع الرابع فوهة الخرطوم الذى يمسك به فى قلب الخزان والطرف الآخر فى فمه ويبدأ فى شد هواء الخرطوم الى صدره حتى يصل الجاز فيضع فوهة الخرطوم فى قلب جركن بلاستيكى كبير، ويبصق مابقى فى فمه من جاز ، وينتظر الاربعة امتلاء الجركن حتى آخره .

يعود الصغار الى خيمة  علوشه العجل الشهيره بعلوشه  جاز.. تفرغ المعلمة فى الجولة الاولى خمسة وعشرين جركن فى البراميل الكبيره.

يدمن الصغار شم الجاز بعد شفطه ونقله الى حضن المعلمه التى تغدق عليهم بنعم الطعام وقطع الحلوى ليكون دافعا على مواصلة الطلعات التى لاتتوقف الا مع بداية حركة سكان الدروب وآذان الفجر.

يتبادل الصغار الادوار فى الطلعة الثانية فيترك الناظرجية أماكنهم الى الآخرين .. يفتح أحدهما خزان الوقود ويبدأ الآخر فى سحب الجاز بفمه .

يستيقظ الشيخ حسن ركبه امام  زاوية تل لينى بالواحة الوسطى من نومه فى النصف الاول من الليل ليسعى الى ارتداء ملابسه ويغادر متجها الى الزاويه فيلحظ خيالات الصغار التى تختفى عن أنظاره فيتابعها من بعيد ويتجاهلها مرة ثانية يتنحنح الشيخ حسن امام باب خيمة الزاويه ليفك عامل الزاويه فرج الله عود عقد باب الخيمة  متسائلا عن سر مجىء الشيخ فى هذا الوقت من الليل .. يخبره الشيخ بسيطرة الارق على ليله فلم ينظر الى السماء وهرع الى صلاة الليل فى الزاوية ، وأخبره عن هذه الخيالات التى تظهر وتختفى فى لمح البصر فأطال فرج الله عود النظر الى مصدر الخيالات .. لم يرى شيئا .. أعاد ذلك الى قصر نظر الشيخ ليلا ، ودخل الاثنان وتركا الباب مفتوحا... سمع العامل حركة خفيفة فى الدرب  فأطفأ كلوب المسجد الخافت  .. انتظر قليلا .. تسحب على أطراف أصابعه ليجد الخيالات قد تجسدت فى أربعة صغار اثنان على الناصيتين والآخران بجوار خزان وقود الجاز ، ورأى عملية التفريغ كاملة .

أسرع العامل الى الشيخ وأخبره بما رأى فلاحقا الصغار وتمكنا من الامساك بالاثنين المسؤلين عن سحب الجاز  بينما تمكن الاخران من الفرار ليخبران علوشه العجل الشهيرة  بعلوشه جاز بماكان فجهزت صغارها الثمانية والتسعين  مع خطة لانقاذ الصغيرين من بين  يدى الشيخ وعامل الزاوية  حتى لايتم تسليمهما الى المخفر  فتفقد الصغيرين اللذين قد يأتيان على نهاية عصابتها  التى جاهدت كثيرا فى  بنائها والتى استغرقت عشر سنوات منذ بدأت بأول اربعة من صغار الجيران حتى بلغ عددهم المائة صغير.

ارتدت علوشه شعر جدتها المعمرة ووجهها فبلغ سنها السبعين وتوكأت على عصاها مستندة على صغيرين من الناحية الاخرى وظلت تلطم وجهها أما م الشيخ والعامل لفقدان ابنى بنتها التوأم والتى رحلت بعد ان وضعتهما لزوج راح فى الوباء منذ اثنى عشر عاما وهى التى تعولهما وقد أغواهما الصغار على فعل المنكرات فرق قلب الشيخ والعامل لحالها  وسلماها الصغيرين بعد ان تعهدت بان لاتتركهما ثانية لاصحاب السوء ،وغادرت علوشه العجل مع صغارها وهم مسرورين .     

قصه قصيره ل :

محمود حسن فرغلى

عضو اتحاد الكتاب

عضو نقابة المهن السينمائيه

mahmoudhassanfarghaly@gmail.com


الثلاثاء، 29 سبتمبر 2020

 بنات ليل


من شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمفرقعات والمخدرات


بنات ليل

تنطلق ام عابس فى الثلث الاول من كل ليله صوب الغرز المنتشره فى كل الدروب المحيطه .. تجلس لتسامر المخمورين بمقابل زهيد .

يعجب سعدان زيد  أداء ام عابس فيقرر ترقيتها من جليسه الى موزع للصنف الذى ورث تجارته عن ابيه وجده وجد جده .. تطير ام عابس فرحا من قرار ملك الصنف  الدائم الرعاية لها ولابنائها وقريبا ستنال رضاه فى ليلة ما لم يحددها سعدان  بعد ،وسيزيد لها الاجر المقابل .

رأى سعدان  ام عابس وهى تنظف خيمتهم وأمامها وخلفها والمنطقة المحيطة بها من كل صوب  منذ عشر سنوات  فطار عقله من تناسق قوامها وقرر ضمها الى جيش نسائه العاملات  فى غرزه الكثيره والمنتشره فى كل مكان، فانفتح باب السعد لام عابس  الصغير وروحيه التى تكبره بقليل ،وجعل ملك الصنف  زوجها مخيمر يدمن الصنف حتى زهد فى زوجته ورمى عليها يمين الطلاق للمرة الثالثه فاصبحت المرأة حرة الا من أوامر سعدان  الذى حاز اللقب بعد ابيه وجده لحماية نساء غرزهم من أى غاصب حتى قطاع طريق  الجبل الغربى المجاور للواحة الوسطى  ، ولااحد من المخمورين يمكنه التجاوز للحدود التى يرسمها لهم سعدان  فى التعامل مع نساء غرزه .

برعت صوفيه فى عملها الجديد واستحدثت اشكالا جديده فى التوزيع مما ادى الى طفرة فى نسبة التوزيع فقربها الملك  الى قلبه أكثر وأكثر  .

كانت صوفيه تلصق فرش الحشيش اسفل ابطها الايمن ، وبجواره فرش آخر ، ثم تلصق الفرش الثالث اسفل ابطها الايسر وبجواره الفرش الرابع ، اما الخامس والسادس فيستقرا اسفل صدرها ، وتقضى الليلة متنقلة بين الغرز تعطى الحصص لأصحابها ، وقد حار رجال نقاط التفتيش للمكافحة من ضبطها متلبسه لدرجه انها دخلت مرة  مخفر درب  الصيريفى الذى لايشق له غبار فى القبض على المتعاطين والتجار وهى تحمل بين صدرها فرشى حشيش  وأخرجها سعدان  ضامنا بعد ان اعتذر للزبون التى ادمت وجهه ولم ينتبه الصيرفى الى كمية الصنف التى تحمله ، وفى نفس الليله قرر الملك  ان يقرب صوفيا اليه اكثر وأكثر وأكثر  فاشترطت عليه ان يكون حلالا، وكان فكتب لها الوثيقة العرفيه حتى لاتعرف زوجته سعيده  خبر زواجه فيفقد بذلك اهم مصدر من مصادر تمويله للصنف اذا ماعرف ابوها البرنس احد الكبار الذين يجلبون الصنف الى المنطقة بما حدث لابنته .

تطلق صوفيا البخور بكثافة مع كل حضور لسعدان  فيستمتع الرجل بالطقس ، ثم دأبت بعد ذلك على خلط البخور بزيت الصنف حتى أدمنه ملك الصنف  فبدأت صوفيا فى اولى خطوات السيطرة على مملكة غرز الليل التابعه لسعدان 

خارت قوى الرجل  بعد شهور قليله  فاحتلت مكانه وحولت زواجها الى شرعى وطلقت منه سعيده  بنت البرنس وفى حوزتها ثلاثة من اولاد ملك الصنف  .

اصبحت صوفيه بعد ذلك ملكة ليل غرز سعدان ، ولم تتغير حتى اشعار آخر

 .


 قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@gmail.com


السبت، 26 سبتمبر 2020

 داتورة  شنيغى

 

من شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمفرقعات والمخدرات


داتورة  شنيغى 

ينبت عشب داتورة شنيغى الغوله فى المنطقة الخالية والتى تزيد عن المائة فدان خلف تل كروم  فيريح لونها عيون كل اهل الواحة  ويروق لعيون الماشية من ابل وخيل وبغال وبقر وجموس وحميرواقبلوا عليه بنهم حتى لم يقبلوا بعد ذلك  على عشب من اعشاب الواحة .

أدمنت الماشية نبات الداتوره وتراخت أوصالها فأصبحت غير قادرة على العمل .

تنظر الماشية الى أصحابها

  .. ترجوها وجبات كثيرة من النبات الجميل

 .. لايفطن الفلاحون الى طلب الماشية .. يزداد طلب الماشية  .. تخور البقار والجاموس ، ويعلو خوارها حتى يصم آذان اهل الواحة 

يزداد صهيل الخيول والبغال ولاتقوى الحمير على اصدار نهيقها .. تغادر المواشى الزرائب بكل ماأوتيت من قوة الى الدروب والدروب المجاورة

 حيث أشجار النبات منزرعة على الجوانب  ، وتظل تأكل وتأكل حتى تشبع فتنام الى جوار النبات لتجده عند اليقظة فلاتجوع ثانية .

سعى اهل الواحة يطلبون ماشيتهم النائمة فلم تجبه

 وظلت على حالتها من حيث الاسترخاء وعدم القدرة على الحركة .أقلع ذكور الخيل والابل والبقر والجاموس والحمير عن مطارحة اناثها الغرام بفقدانهم القدرة على ذلك .

لم تحمل الاناث أجنتها ، وزاد التهامها للنبات الجميل كذكورها حتى أدمنته هى الاخرى .

مر الشهر والشهران على هذه الحال حتى تحولت الماشية الى أشباح ، وتساقطت الواحدة تلو الاخرى . 

أصدرت السلطات المسؤولة قرارا بعدم زراعة النبات الجميل الذى أدى الى اختفاء كل مواشى الفلاحين ، لكن رجال شنيغى الذى جاء ببذور النبات الى الواحة منحوا التقاوى لكبار قطاع الطرق وفتوات المناطق ممن يعاونوهم وأوصوهم بزراعته فى الخفاء بعيدا عن العيون حتى يجف ليمنحوه لرجالهم حتى تكون لهم السيطرة.


.

 قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@gmail.com


 الاسطى بليه الفلنكاح


من شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمفرقعات والمخدرات


الاسطى بليه الفلنكاح

وقف عامر ولد عبد البر فى مجمع الطرق المؤدية الى كل دروب الواحة الصغرى باكيا تتدفق  دموعه انهارا بعد ان فقد كل اسرته فى الحريق الذى نشب فى القافلة الغريبة حين حطت تلتقط انفاسها من عناء السفر ، وحين زادت الجده كبيرة القافلة من نيران موقدها لتسوية طعام الصغار لشدة بكائهم امتدت ألسنتها الى ركائب الابل  لتلتهم كل افراد القبيلة ولم ينجو منه سوى خمسة صغار كان عامر من بينهم ولم يزل فى الخامسة من عمره.

رقت قلوب اهل درب نحيره  فأحاطت الصغير بالعطف والاحسان بالمأكل والمشرب والملبس والمبيت فى خيمة الغرباء ملتحفا الفضاء .

مرت ايام كثيره على عامر، لم يقو على عدها حتى رزقه الله بأم حمو التى ودعت ابنها حمو منذ سنين ليعمل على سفينة  عطيه لمو   ولم ترجع السفينة  بعد رحيلها منذ عشر سنوات .

فرحت ام حمو بالرزق الذى ارسله لها الله فاحتضنته داخل خيمتها فيوما ما سيكون سندا لها فى الكبر بعد ان تبنته وشهد بذلك كل اهل الحى  .

اشتد عود الصغير فعرض على امه ام حمو ان يعمل صبيا لدى جارهم عبده عمرين   الحداد .. استحسنت الام الفكرة فلااحد يضمن الموت من الحياة ولن تبقى له ام حمو طيلة عمره فقررت المرور على عبده عمرين وعهدت اليه بالصغير عامر وأوصته كثيرا على المقطوع من شجرة والحيلة الذى خرجت به من الدنيا بعد ابنها حمو فأجابها  عبده الى  طلبها .

تعلم عامر اصول المهنة على يد عبده عمرين  وعرف فى البداية ببليه الصغير حتى اصبح واحدا من الاسطوات الذين يعملون فى الورشة  وصار لديه صبى صغير اطلق عليه بليه لكن عامر  قرر ان يحتفظ بلقب بليه تيمنا به فلم يفارقه ابدا واضيف له الفلنكاح لأنه قادم من الفلاحين المجاورين  للواحة الصغرى او كما قيل .

عشق الاسطى بليه الفلنكاح التجريب فى الحدادة وصهر الحديد وعرف بذلك لدى اهل الواحة  والعابرين مارين بها من الشمال الى الجنوب والعكس  حتى ذاع صيته وملأت شهرته الآفاق .

فرحت ام حمو كثيرا بابنها الذى لم يعد صغيرا وسعت بكل قواها ان تخطب له عروسه تستحقه لتفرح هى بأولاده فأعز من الولد ولد الولد .

رأت ام حمو رغبة الاستئثار بالزوج فى عيون كل من قابلت من الفتيات اللاتى رغبت فى خطبتهن لابنها بليه الفلنكاح  فلم تستقر على واحدة بعينها حتى تاريخه وواصلت بحثها عن العروسة التى سترضى بالاقامة معها اسفل سقف خيمتها مع ابنها  الذى تكفل بتجديدها  بليه الفلنكاح بعد ان كانت ممزقة الجوانب والسقف .. لن تفقد ام حمو ابنها الثانى كما فقدت حمو الذى لم يعد مع مركب عطيه لمو .

سمعت ام حمو عن ابنة عبده عمرين  التى حجبتها هنيه زوجة عبده عن العيون بعد ان اعتزلت الخروج من الخيمة فى الثامنة من عمرها فعقدت العزم على زيارة هنيه التى رحبت بخطبة ام حمو لابنتها هديه لعامر ابنها فعامر رباه عبده عمرين  زوجها تربية الاب لابنه الذى لم يرزقه ، وامهلتها هنية فترة لعرض الامر على عبده عمرين  فأذا ماوافق فستحدد ميعادا لخطبة عامر وهديه.

انتظر عامر قرار الموافقه فى احر من الجمر بعد ان طار لبه لوصف امه للجميلة هديه ، وبعد ايام زفت هنيه خبر الموافقه الى ام حمو لتملأ الحى  بزغاريدها التى لم تنقطع صباح مساء  لتعلم كل الاهالى بخطبة ابنها عامر لهديه بنت عبده عمرين  اجمل فتيات الواحة  والتى ستقيم معها اسفل سقف خيمتها مع ابنها بليه الفلنكاح .

طار عقل عامر من الفرح فركب لى طلمبة  مياه غير مطابقه للمواصفات  لتسد فوهة المياه المنطلق من البئر الى الموتور مما ادى الى قفش الموتور وحرقه فكنت اول ضحايا فرحة الاسطى بليه الفلنكاح .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


الخميس، 24 سبتمبر 2020

 ام جيدو


من شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمفرقعات والمخدرات

ام جيدو

يطول بى السهر حتى آذان فجر كل يوم .. اقطع المسافات ذهابا وايابا احفظ الالفية : كلامنا لفظ مفيد كاستقم ، واسم وفعل ثم حرف الكلم ، والمقرر من الشعرلزهير والعبسى وعمرو ابن كلثوم وغيرهم حتى ينال التعب منى فاستلقى على سريرى الجريدى  بعدما اطفىء المصباح تاركا بابى الخيمة  تصنع تيارا هوائيا يهدىء من غليان جسدى لانفعالى بالاشعار.

يتسرب الى مسامعى آهات امرأة تئن وتئن .. تعودت ان اسمع هذه الآهات للمرأة قبيل فجر الخميس الاول من كل شهر ، ربما يبلغ بها الالم مداه فى هذا التوقيت بعد شهر عمل شاق فى شقق وفيلل المدن  الجديده بالحضر الملاصق لواحتنا  الكبرى  فتقوى على اعالة اربع بنات وولد بعد زواج عيد الحرنفش زوجها من اخرى جاء بها من الواحة الصغرى  كما جاء بها منذ خمسة عشرة عاما ، والقاها فى قلب الحضر تعمل كطاهية ومنظفة .

لم يختلف الامر كثيرا مع رقية الزوجة الجديدة الى جانب عمله كبائع للاعشاب  ..فأسكن رقية فى خيمة جديده الى جوار خيمة ام جيدو بجانب  ام حامد التى تعيش وحيدة بعد زواج ابنها الاكبر حامد وبنتها تهانى ليأتى ابنها الثالث ناجى فى اجازاته من عمله فى المناطق النائية اول خميس من كل شهر يقضى مع امه الخميس والجمعة ويعود الى عمله البعيد صباح السبت فيقضى شهر عمله ويعود ليلتقط انفاسه ويرم عظامه كما تقول امه: من اكلاتها التى تساعدها فيها دائما ام جيدو حتى يستعيد ناجى قوته وقدرته العمل .. تكفلت ام حامد بأبنائها الثلاثة بعد رحيل حميد الرايق الموظف الاميرى باحدى مؤسسات الحضر، وكان معاشه قادرا على تلبية مصاريف ابنائه فلم يعوزها حيا اوميتا .

يأخذ عيد الحرنفش يوميا جزءا من دخل زهيرة الالفطاوى ام جيدو ، وجزءا من دخل زوجته الجديدة رقيه حتى يتمكن من تغطية احتياجاته اليومية من المعسل والافيون .

أواصل حفظ الاشعار المقررة على من المذهبات المعلقة ، واعود الى ابن مالك احفظ منظومته : بالجر والتنوين والندا وال ومسند للاسم تمييز حصل.

بتا فعلت واتت ويا اقبلى .. ونون اقبلن فعل ينجلى .. سواهما الحرف كهل ولم وفى .. فعل مضارع يلى لم كيشم .

أشم رائحة مسك فواح ، ومازالت المرأة تئن من الالم الذى يعتصر جسدها فعملها طوال اليوم كشغالة فى منازل الحضر  شاق للغاية .

أطفىء المصباح ثانية .. أعترض الهواء المنطلق من بابى الخيمة الامامى والخلفى ، وألقى بجسدى على السرير الجريدى  فى قلب ظلام الليل فلايتبين احد من الجيران مكانى حتى ام جيدو المواجهة خيمتها لخيمتى.. تخرج ام مجيدو من خيمة  ام حامد متجردة من الثياب بعد ان تطمئن عيونها على ظلام  الليل الذى لف خيام  الجيران واختفت انوار المصابيح فيلحق بها ناجى ابن ام حامد ينظم انفاسه المتلاحقة وتكمل ام مجيدو الكلام توجهه الى حامد بان لا يخاف فالكل نيام .

لاأقوى على حبس سعالى الذى يخرج رغم أنفى .. ينظر الاثنان الى مصدر العطس  فيجدانى مستلقى على السرير مفتوح العينين انظر اليهما وقد شخص بصرى فى قلب الظلام فلاتخجل ام جيدو وتعد ناجى باللقاء فى الشهر القادم ليسقط الرجل من الخجل فيسرع داخلا الى خيمة  امه ، وتعود ام جيدو الى غرفتها غير عابئة بوجودى .

أعود الى وقوفى بعد ان اشعل المصباح مرة أخيرة  أواصل حفظ الاشعار المقرر على امتحانها شفاهة فى الغد.

  

 قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@gmail.com


 أولاد حمدون زيدان


من شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمفرقعات والمخدرات


أولاد حمدون زيدان

يلتف أولاد حمدون زيدان حول جثمان ابيهم حداد الطمانيه فى لحظات الوداع الاخيره .

بلغ حمدون زيدان  من العمر مائة عام ، وكان الحداد الوحيد فى الجهة القبلية تامة ، وورث المهنة لأولاده العشرة واحفاده الخمسين وزوجاته الاربع بعد ان عمل على توسعة للخيمة  اكثر من عشرة أمثال حتى استقرت على رأس اربعة وعشرين قيراطا لتنتظم الاربعة وخمسين عاملا والريس حمدون زيدان  الذى تعود بعد بلوغه السبعين الجلوس على مقعده الجريدى  المثبت على عمود الخيمه  ، والمفروش بأريكة ومسند ناعمين حنى يريحان حمدون زيدان  فى جلسته التى تبدأ مع طلوع  الفجر وحتى غروب الشمس

 يتناول خلالهاافطاره وغدائه وشايه ودخانه القص المعسل   

يتبادل الخدمة على طلبات حمدون زيدان  نساء ابنائه ونساء احفاده بالتعاون مع الاربع زوجات .

كانت عطيات الحداده تتابع عمل الاولاد وابنائهم وتوبخهم على قلة النيران فى كور من الاكوار أو عدم اتزان النفخ الذى لايقوى على تشكيل الحديد بسهولة ويسر .

تزوج حمدون زيدان  عطيات بنت روايح المزين وعلمها الحداده فبرعت فيها معه ليذيع صيتهما وتتخطى شهرتهما حدود تل الطمانيه الى الى سائر التلول المجاوره حتى غطت الجهة القبلية بأكملها فازداد الطلب عليهما ، ورزقا ثلاثة اولاد ، وعندئذ قرر حمدون ولد زيدان الجمال توسعة ورشته وشراء القيراط بعد القيراط .

كانت عطيات تصغر حمدون  بعشرين عاما فكان كثير التدليل لها حتى شغلها العمل فى الحداده ورعاية أولادها الثلاثه فقرر الحداد الكبير الزواج من ثانية وكانت رئيفه بنت كعيب رومى  التى ولدت له من الذكور ثلاثه، وتعلمت الحداده كعطيات وحين انشغلت عن الحداد الكبير الذى كان يتفنن فى تدليلها قرر ان يتزوج الثالثه ... فالحداد بنيانه قوى جدا .. كان يرفع الجوال المائة كيلو بيديه بينما يعجز الشباب من ابنائه وابناء تل  الطمانيه عن هذا الفعل .

انجبت له كراويه بنت سيف طالع النخيل  ثلاثة من الذكور ايضا ليشغلونها عن الحداد الكبير وشاركت الزوجات الاولى والثانيه العمل فى الحداده فقرر الحداد الكبير ان يختتم حياته الزوجيه بزواجه من بشرى بنت عبد التواب الحفار التى اكتفت بمولودها الوحيد عويس وتعلمت الحداده لكنها لم تنصرف عن الحداد الكبير فعمرت ولم يفكر فى الزواج بعدها .. كانت بشرى  خبيرة فى التعامل مع الرجال .. تزوجت قبل الحداد الكبير مرتين  ورحل الاول والثانى فترملت  ولم ترزق بطفل من اى من الزوجين السابقين .

انجذب الحداد الكبير الى بشرى لفرط جمالها ، وكانت تصغره بعشرين عاما .. كانت فى الثلاثين والحداد فى الخمسين ، وبعد خمس سنوات من زواجه الاخير اصيب الحداد بالمزمن من الامراض فكف عن تدليل زوجاته وعند بلوغه  السبعين  قلت حركته فلازم الجلوس على كرسيه متكئا على عمود الخيمة بمدخل ورشته حتى رحل عند بلوغه المائة.. التفت حول جثمانه العائله وشيعته الى مثواه الاخير لتترمل زوجاته الاربع .

 قصة قصيرة بقلم 

 محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه

mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


الأربعاء، 23 سبتمبر 2020

 آل السوس


من شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمفرقعات والمخدرات



آل السوس


يتجمع مئات الالاف من المترددين على مجمع آل السوس لتلقى المعونات النقديه اوالعينيه.. يدعون لجابر السوس بدوام الصحة والعافيه والخير الوفير له ولاهله الغر الكرام الميامين كما يقول قدامى سائليهم ، ويقول الحاقدون : ان جابر السوس ترقى من راعى اجير لدى عيون القبائل  الى كبيرهم، ويروون روايات ثراءه السريع المختلفه.

تقول رواية: ان جابر وهو يرعى غنم الحى التى كانت تأكل من اعشاب ارض عليان الرحيمى وجد ببطنها  كنزا من الذهب الخالص فباعه واشترى مائتى ناقة  وكانت نواة ثرائه السريع اذ حمل قافلة نوقه قمحا كثيرا من بلاد الانهار الغزيرة  وخزن القمح فى الصوامع  لينال منه السوس  ، ومع ذلك باعه للمشترين والمدشات  والمطاحن القريبة والبعيدة  وعرف منذ ذلك الوقت بجابر السوس، ونسى اهالى الحى اسم ابيه الحقيقى وشجرة نسبه المتواضع.

زاد الخير لدى جابر فأغدق بالعطاءعلى سائليه حتى عرف بالصالح الكريم.

تقول الرواية الثانية لبعض الحاقدين : ان جابر زرع الخشخاش فى ارض المرعى ومع اول قطفة للأفيون ملأ صفائح الماء بالذهب وبدأ يشترى الاحياء من ورثة الشيوخ المختلف عليها بتراب الفلوس . 

 ، وهناك رواية ثالثة تقول : ان جابر باع بعض اعضاء جسده الداخليه حتى تمكن من سداد ديونه والصرف على اهله ، وكانت قيمة اعضائه الداخليه غالية الثمن مما مكنه من شراء اول مزرعة خيول  وواصل بعدها الشراء حتى صارت المائه مزرعه  .. استقر رأيه بعد ذلك على بناء  مجمع خيرى للمساكين يضم مستوصفا يتسع لالف سرير مكنته من استخراج الاعضاء من داخل الاجساد واغلاقها بالليزر  ، وقد مكنه ذلك  من فتح بنك للكلى ووبنك للقلب وبنك للعيون  وبنك للكبد، ويسجل كل بنك من البنوك قرابة الملياركل شهر فيخصص للغلابة نصف مليار من اجمالى العشرة مليارات ليزداد اقبال السائلين على مجمع آل السوس ,

علا نجم جابر السوس فى أوساط الاثرياء حتى نصبوه كبيرا لهم فعمم لديهم انشاء المجمعات الخيريه كى يذوب حقد  الحاقدين الذين زادوا فى الايام الاخيره .

صاهر جابر السوس الكثير من القبائل فتزوج اربع زوجات تنتمين الى اكبر اربع قبائل فى البرارى وزوج كل ابن من ابنائه الخمسة لاربعة من اجمل فتيات احيائهم   فأمسك بزمام الاربعة والعشرين قبيله ليصبح زعيمهم .

وشى الحاقدون بين جاد ولد عليان الرحيمى وبين جابر السوس واقنعوه بان جابر اشترى حيهم  بتراب الفلوس واصبح اكبر الاثرياء من خيرهم فاستشاط غضب جاد ، وقرر ان يستعيد حى آبائه واجداده من بين ايدى جابر السوس واولاده فقوبل بالرفض  وقرر الانتقام منه وأعانه على ذلك زهير الحلاق الذى جلب له كل قطاع طريق التل  الشرقى  كى يشفى غليله هو الآخر من ضياع حى ابيه والذى اشتراه جابر برخص التراب لرعب حمص الحلاق ابوزهير من بطش جابر السوس وبعدها فارق الحياة .

قبض المطاريد اجرهم من زهير وجاد فاشعلوا النيران فى مجمع احياء جابر ومزارع خيله  ومجمع خيره ، ولم يتمكن واحد من اصهاره على التصدى  لقطاع طريق التل الشرقى  وطويت بذلك آخر صفحة لجابر السوس ومجمعه الخيرى وآله ونسبه حتى سائليه لسنين طويله .   



 قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@gmail.com


 حج موسى تفادى


من شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمفرقعات والمخدرات


حج موسى تفادى


اعتاد موسى تفادى ان يحج كل عام الى بلد الله الحرام ليغسل ذنوب عامه ويعود كيوم ولدته امه . تبدا رحلة حج موسى تفادى فى صباح العاشر من شوال بعد ان يفرغ من صيام الستة ايام البيض عقب رمضان المبارك ويدعو ربه ان يجعل كل ايامه بيض مع اهله واهالى الحى المجاور حتى سابع حى

. تبدأ الرحلة من قلب الواحة  الكبرى بعد صلاة الفجر فيأخذ سيد ابن موسى تفادى فى تجهيز الزاد والزواده التى اعدتها امه كى تضمن معيشتهم لايام قد تطول او تقصر ثم يدبر لهم الخالق امرهم . يحمل سيد ولد موسى تفادى الزاد والزواده على ظهر الجمل السودانى الصبور الذى يشتريه موسى تفادى قبل القيام برحلة كل عام بستة اشهر حتى يتمكن من علفه واختبار قوته وقدرته على التحمل حتى يطمئن قلبه فينطلق على بركة الله فى صحبة ابنه والعراء

 . تودع سوميه الركومى زوجها وابنها وتدعو لهما بالعودة سالمين غانمين

 .. تأخذ القافلة طريقها ، قافلة صغيره مكونة من الجبل الصبور الذى تم تدريبه على حفظ الطريق حتى معبر النبع شرق الواحة الكبرى  ورجل جاوز الستين بقليل وابنه فى العشرينيات من العمر .. يقود الجمل القافلة ويسير وراءه الرجل

 وابنه حتى تحمل العبارة ثلاثتهم الى البر

 . تختفى الشمس وراء الجبال الصغيره المتناثره بطول الشاطىء الغربى للنبع فيغرس سيد اوتاده وينصب الخيمه التى سينام فى قلبها موسى تفادى اول الليل حتى المنتصف ويجلس سيد على بابها بعد ان اناخ بعيره وقيد قدمه حتى لاتفزعه دابة الارض ..

 فيفر فى الصحراء الواسعة وتأكله الوحوش الضاريه

 .. يشعل سيد النيران امام الخيمة فلاتقترب من ثلاثتهم السباع ، وعند المنتصف يستيقظ موسى تفادى ليأخذ مكانه فى الحراسة حتى تفكر الشمس فى الشروق فيصليا الصبح وتتواصل الرحلة

. تمر خمس عشرة ليله بايامها على الركب فيوشك البعير الصبور على الهلاك أسفل الجبل ، وقبل ان يقرر الرحيل يلحقه موسى تفادى فيذبحه ليكون طعامه مع ابنه ووفود الحجيج التى تلتقى عادة فى هذه النقطة كل عام

 .. ويواصلون السير على الاقدام فتتشقق الاقدام وتمتلىء بالحشرات الضاره وعندما لاتجد دماءا منسابة فى اللحم تعود من حيث أتت بعد ان كاد الجوع والعطش يقتلها

 . تلتقط قوافل الشام المتجهة الى الحج الحجيج السيارة وتركبهم على ابل البضائع فتتعالى تكبيراتهم وشكر رؤساء القوافل

 . يأخذ موسى تفادى وابنه سيد مكانهم بين سقائين زمزم ليرووا عطش المعتمرين ولم يتبق على موسم الحج سوى عشرة ايام بعد قضائه اربعين ليلة فى طريقهم السنوى المعتاد

 . يواصل الرجل عمله ليل نهار مع ابنه فيرزقهم الله رزقا وفيرا يمكنهم من شراء بعيرين قويين مهجنين قادرين على توصيلهم الى قلب ديارهم فى الواحة بعد ان يؤديان حجهم ويحملان من هدايا الشام واليمن الكثير للأهل والاحبة فى انتظار رحلة العام القادم.

 . قصة قصيرة 

ل..محمود حسن فرغلى

 عضو اتحاد الكتاب

 عضو نقابة المهن السنمائيه 

mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 ليمون زكيه بنت بهيه الغجريه


من شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمفرقعات والمخدرات


ليمون زكيه بنت بهيه الغجريه


تجلس زكيه بنت بهيه الغجريه مع فجر كل يوم امام كومة  الليمون بجوار خيمة عيظى نوران السنان المتصدرة خيام الحى

 تنتظر اول فوج من النساء يملأن قربهن من عين الواحة الصغرى

 ، .. وفى رحلة العودة الى الخيام  تشترين ليمون ذكيه بنت بهية الغجرية القادم اليها من اشجار ليمون النبع الكبير بالواحة الصغرى  ، وعلى اساسه يبنون وجبات يومهم ،ويتسوقن بعد ذلك  فمنهن من تشترين  اللحم بكميات محدودة  ومنهن من تشترين العظام من الجزارين بعد ان يجردونها من بقايا اللحم العالق بها فيكون يوم الصغار يوم عيد حيث سيشبعون من اكل الفتة الغارقة فى دسم نخاع العظام بجوار اى خضار يروق للأم  فيحمدون ربهم ويتجهون الى نومهم ،، ومنهن من لاتملك الاشراء بعض اعواد الملوخيه لتصنع منها البعكيكه  بعد خرط الملوخية الخضراء وخلطها بالتوابل والماء وليمون زكيه دون تسويته على نيران الكانون فيكون طبقا شهيا للصغار يمدهم بطاقة منقطعة النظير .

 .. ينطلقون بعدها الى الربوة المجاورة للحى

 .. يلعبون حتى يسقطون من الاعياء فيعودون الى الخيام  للنوم

تواصل زكيه بيعها لليمون .. ينظر عيسى الجزار الى عينيها التى تكاد ان تجاوز وجهها على ذبائحه المعلقة..يملأ كفيه بالعظام حامل بقايا اللحم ويهبه لزكيه مقابل ليمونتين فتخبىء زكية لفة العظام اسفل الليمون بعيدا عن عيون الحاسدين من اولاد الغجر ، وتتجه الى عوضين الخضرى فتأخذ بعض حبات الطماطم والبطاطس مقابل خمس ليمونات لتصنع طاجن بطاطس يشبع بناتها الخمس اللائى فقدن اباهم فى دوامة رمال الخماسين منذ عشرة أعوام. 

وكفلتهن زكيه لتكون الاب والام 

  ..لايراود اى من شباب الحى او شباب الغجر التفكير فى  الارتباط ببنات زكية لضيق ذات يدها وفقرها  الملازم حتى فقدن الامل فى الارتباط ولازمن زكيه وخدمة منازل الشيوخ  ليتجاوزن حد الفقر الذى تركه لهم بلال الغجرى اشهر بائع ليمون فى المنطقة القبليه ، وورثت زكيه مهنته لتعينها على العيش والصرف على البنات.

تعاود زكيه سيرتها اليومية .. تستيقظ فى الربع الاخير من الليل .. تنتظر امام الخيمة حصتها من ليمون شجر النبع ، وتأخذ مكان زوجها القديم ، وتحلم بزواج بناتها حتى من اولاد الغجر لتحمل صغارهن قبل ان تغادر الحياة.

تململت زكيه  امام كومة ليمونها فى يوم ربيعى ، وضاق صدرها لتعجز عن التقاط نفسها الاخير فالتصقت بالرمال مفتوحة العينين

لترحل ويحتل بناتها مكانها امام كومة الليمون .

 .

 ..  قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه

mahmoudhassanfarghaly@gmail.com


 فتوات تل طلوع


من شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمفرقعات والمخدرات


فتوات تل طلوع

يتساقط رجال عنوش غوانى من مخابئهم بالتل الذى ظهر فجأة فى جنوب الواحة الصغرى ، وعرف فيما بعد بتل طلوع حيث تكون من دوامات رمال جاءت الى المركز من اتجاهات مختلفه ليصبح طلوعا غريبا على وجه صحراء الواحة المنساب .

يسد رجال عنوش غوانى الطريق المؤدى الى درب تيهى بالقرب من تل طلوع . .. يلزم الصغار أرحام امهاتهم المرتعشة هلعا من عيون عنوش غوانى ورجاله الظمآنة دوما الى أباريق كل نساء الدرب  .. يسبح كبار السن على أصابع أيديهم فى انتظار عودة أبنائهم  بعد طول غياب جاوز السنة لعدم قدرتهم على سداد أتاوة عنوش غوانى ورجاله والتى قضت بعدم دخولهم الدرب  الا بعد السداد حتى تجمد الدم فى أوردة نسائهم ..سال لعاب رجال عنوش غوانى ، وتدلت ألسنتهم على صدورهم وامتدت حتى التفت حول رقاب الصغار فى أرحام امهاتهم لتشاركهم الشراب من حبالهم السرية مما أدى الى اختناق الصغار .. حاول كبار السن ان يرفعوا عصيهم الخشبية فى وجوه عنوش غوانى ورجاله دفاعا عن احفادهم لكن عصى عنوش ورجاله الغليظة تمكنت من اسقلط كل العصى الخشبية المتهالكة التى يتوكأ عليها كبار السن فسقطو ا بلاحراك .. انفتحت بطون كل نساء الحارة وسالت بحور من الدم  .. غطت عنوش غوان ورجاله حتى الرؤوس فتكومت اجسادهم لتسد باب الدرب  .

عاد الرجال من بلاد الغربة البعيدة حاملين الاتاوات التى فرضها عنوش غوانى ورجاله عليهم ليجدوا الدرب قد خلا وسدت الطرق المؤدية اليه  .. بدأ بحث الرجال عن رجال علوب ولد عنوش غوانى  ليزيل جسد ابيه ورجاله .. جاء علوب برجاله ليأخذ أتاوة ابيه من الرجال القادمين من بلاد الجليد البعيدة  وألزمهم بدفع أجره فى ازالة المخلفات ودفع أتاوته الجديدة لحمايتهم من فتوات الدروب  المجاوره .

بدأت رحلة الغرباء الجديدة الى بلاد الجليد كى يتمكنوا من سداد أتاوة علوب ابن عنوش غوانى ليحميهم من فتوات الدروب  المجاورة ويتمكنوا من دفن جثث ابنائهم فى أرحام امهاتهم ونسائهم وآبائهم ويهنأوا بالاقامة خلف ابواب خيمهم  المظلمة فى ظل حماية علوب ابن عنوش غوانى أشهر الفتوات الذى شهدته عيون درب تيهى بالقرب من تل طلوع  عبر تاريخها الطويل .


قصة قصيرة بقلم

محمود حسن فرغلى

عضو اتحاد الكتاب

عضو نقابة المهن السينمائيه

mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 عرب بودره

يسقط عرب السيد مالح من طوله على الارض ممددا بطول المترين طوله وعرض النصف متر نتيجة الشمة الاولى فى حياته للنقى دون خلط .

يبلغ عرب عامه العشرين بعد شهور قليله ، وقد أدمن الهيروين بعد الشمة الاولى التى طرحته ارضا ، وحين أفاق عاد الى حياته الطبيعيه يقطع الطريق على المارة  مع الاشقياء من زملائه .. يجردونهم مما يملكون ليتمكن عرب من شد سطر اوسطرين اثر اضطرابه الشديد وتخبطه بطول الشارع وعرضه ، وتحطيم مايعرض له من اجسام صلبه اولينه حتى ولو كانت اجساد زملائه الاشقياء .

يسارع الجميع الى تل المعلم ريعو الغول مسؤول النقى فى الجهة .. يعطونه حصة عرب السيد مالح من  ايراد الليلة فيعطيهم الشمة ليفردوها له فى سطور .. يبدأ عرب فى استنشاقها ليسقط على الارض بعد انتهائه من السطر الاخير.

زاد انحناء جسد عرب الطويل .. يتكور مع كل سقطه ليشغل حيز المتر وقليل على الارض فى عرض يتضاءل دائما حتى لم يقو فى المرة الاخيرة على القيام ، وترك مكان قيادة التشكيل العصابى لزميل عمره شقفه الروش  الذى تحمل مسؤليته لمدة عام  حتى اصاب  الضجر كل افراد التشكيل من عرب الذى لافائده منه  ترجى فطرحوا على شقفه تسليمه الى مصحة يعالج فيها فاقتنع  ، وافلح الاطباء فى علاجه وخرج مقلعا عن النقى ، وامعانا فى اذلاله قتل ريعو الغول الذى عرض عليه الشمة الاولى فكانت بداية ادمانه.

حل عرب  السيد مالح مكان ريعو الغول فى تله  بعدما تزوج من نرجس ارملة  ريعووصار ابا لولديها الصغيرين ووارثا لصبيانه الكثيرين  من موزعى النقى .

ملأت شهرة عرب بودره آفاق مناطق التوزيع حتى صار البرنس لها بعد سلسلة قصيره من الكبار المسؤلين عن الصنف .. اتسعت تجارة عرب فى الصنف فضم اليه شقفه الروش وكل تشكبله العصابى من قطاع الطرق القدامى  واصبح عرب السيد مالح الرجل الثانى فى الجهة بعد قتله لثلاثة من كبار الموزعين وزواجه باراملهم ليصبح ابا لكل ابنائهم .

اشتد ظهر عرب وزال انحناؤه ليبلغ طوله المترين بعرض النصف متر  .. حول عرب بودره كل زبائنه القدامى من المقطوع عليهم الطرق الى زبائن النقى ليزيد من مساحات توزيعه  ، وينجب من الاطفال خمسة عشر ينتظر ان يرثوا عزبه وقصوره وارضه وتجارته الآخذة فى الازدياد .   


  قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@gmail.com


 عريش كارو

تنزع ريم الجبلاوى عريش الكارو من على جانبى حمارها القديم بعدما قرر ان لايخطو خطوة اخرى من ثقل صناديق الفاكهة التى حملتها ريم لتلحق قدوم ابناء القبائل لشراء معظم احتياجاتهم من سوق السبت بالواحة الوسطى .

يسقط حمار ريم من الاعياء فيخيل للناظرين فقدانه للحياة فيرثى المارة لحاله ويلعنون آباء ريم القدامى والمحدثين فلاتعيرهم انتباه لتواصل رفع العريش من على جانبى الحمار العنيد ، وتصر على ركله فيزداد لعن آبائها ، ويعلن مائة من ابناء القبائل  تضامنهم مع الحمار وسيشكون ريم فى مقر جمعية الرفق بالحيوان القريبة من الحضر ، وعلى بعد الخمسمائة متر من مكان حادث مقتل الحمار المسكين .

تنهر ريم ابنتها سلوى عن الاقتراب من الحمار حتى يعود الى وضع الوقوف.

تخشى سلوى على امها من عقاب الجمعية الذى يصل حبسه الى سنوات وسنوات لاتعد.

تأمر ريم سلوى بالمساعدة فى رفع العريش الثقيل وتبعدانه عن ظهر الحمار ، ويأخذان فى تحريك كارو ابيها عبده عرباوى القادم من اعماق الواحة الكبرى هربا من ثأر ابيه 

بعد اصرار امه على ان يأخذه هو دون اخوته الصغار ففر هو ومعشوقته ريم بنت رفاعى الجبلاوى شيخ قبيلته ، واستقرا فى قلب الواحة الوسطى   ليبيع الفاكهة على عربته الكارو، وأدمن عبده عرباوى استحلاب فصوص الافيون الصغيرة حتى صار عظاما دون لحم لايرى منه سوى جحوظ عينيه الثابتتين النظر الى عمق الواحة الكبرى  وطنه الام ، بعدها قررت ريم ان تتحمل الصرف عليه وعلى كيفه وبناتها الخمس سلوى ومى ونورا ومنى وفريده .

تصرخ سلوى فى أخواتها الاربعة ليهرولن اليها ، ويبدأ الستة فى تحريك الكارو الثقيل الى الخلف حتى يبعدن بها عن جثة الحمار الفاقد للحياة حسب أقوال كل  شهود حادث قتله واصرارهم على اتهام ريم الجبلاوى أمام لجنة جمعية الرفق بالحيوان والتى ستشكل خلال الاربع ساعات القادمه  وتأتى للقبض على ريم الجانية وازاحة الجثة من طريق المارة تمهيدا لنقلها فى سيارة تكريم الحيوان الحمراء التى سترسلها الجمعية .

تستقر ريم بكارو عبده عرباوى أمام باب خيمة شيخ السوق   وتبدأ  فى بيع التفاح الاصفر والاخضر والاحمر كل حسب سعره وحسب شريحة المشترى وغناه من عدمه ، وهى كعبده عرباوى تحفظهم عن ظهر قلب واحدا واحدة .

يواصل بنات عبده عرباوى الخمسه تكييس الاوزان ، واستبعاد المعطوب من التفاح والقائه امام فم الحمار العنيد الذى يصر على عدم الحركة .

يقترب موعد انصراف رواد السوق  فيمتلىء كيس ريم بالنقود .

يظهر من على البعد موكب سيارات جمعية الرفق بالحيوان ، وتظهر من خلال نوافذه رؤوس الموظفين المتقدمين بالشكوى ضد ريم الجبلاوى فتقشعر ابدان بناتها خوفا على امهم من سنوات الحبس التى تنتظرها بعد النظر فى قضية مقتل الحمار .

تتقدم ريم الى اسفل عريش الكارو وتخرج من الحافظة القماش حزمة من البرسيم وتمسح بها عرقها ، وتتجه بها الى أنف الحمار العنيد فيطيل تشمم رائحة العرق لتعود اليه كامل طاقته فينهض واقفا على الاربع

 .. يخرج لسانه ليلتقط اعواد البرسيم مارا على يد ريم ليلعق عرقها المحبب الى نفسه .

تبدأ رؤوس الموظفين المطلة من نوافذ سيارات موكب جمعية الرفق بالحيوات فى العودة الى الداخل ، وتسقط ايديهم الى جوارهم 

.. يستقر الركب ويتم توجيه تهمة البلاغ الكاذب للمائة من  المتقدمين بالشكوى ضد ريم  الجبلاوى ، وتوجيه الشكر الى ريم المحبة للحيوان والعاشقة له  التى تدأب على اطعامه بنفسها حين تخلو به دون بناتها حين يعلو شخير عبده عرباوى .

تنصرف اللجنة لتزغرد البنات الخمس وتعدن العريش مع ريم الجبلاوى الى جانبى ظهر الحمار الذى دبت فيه الحياة مع تشممه لرائحة البرسيم المندى بعرق ريم الجبلاوى الذى يحبه .

يبدأ ركب ريم فى رحلة العودة الى عبده عرباوى المستقر بخيمته  فى انتظار رأس دبوس   الافيون الصغير الذى ستأتى به ريم من أقرب بائع مخدرات فى طريقها ، وتدسه فى الحافظة القماش ليستحلبه عبده فتعود اليه الحياة كما تعود الى حماره كل يوم لساعات ثم يعود الى حالته بجوار عريش الكارو .


 

 قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@gmail.com


الجمعة، 18 سبتمبر 2020

 مدشة اسكنسن

ترتجف النساء ، ويعود الصغار الى أرحام امهاتهم خوفا من خطف احد هم لتقديمه قربانا لجنيات مدشة اسكنسن الجديده  حتى تتمكن من الدوران وطحن الحبوب 

كان اسكنسن يحترف التجارة فى العطارة  ولما خسر تاجر فى الدخان ولما خسر قرر الاتحاد مع اخوته من ابناء الحضر  لانشاء مدشات للحبوب  فى الواحات الثلاث الكبرى والوسطى والصغرى  وقد وقع اختيارهم على تل التيه القديم ليريح نسائه من السير خمسة كيلومترات سيرا على الاقدام  يحملن فوق رؤوسهن الحبوب ليطحنه فى اقرب مدشه .

خافت الجدة على من القشيرى الذى يرى فى الظلام بعدما كلفه اسكنسن بايجاد الصغير وحيد ابويه حسبما قالت العرافه لتلتهمه المدشة فتبدأ فى الدوران ، وللقشيرى مكافأة مالية كبيره وسيتحمل اسكنسن مصاريف عملياته الجراحيه فى العينين ليكون قادرا على الرؤيه فى النهار كما يرى بالليل ففرح القشيرى كثيرا وراح يعسعس فى الليالى حتى يعثر على ضالته.

تلتقط آذان جدتى فى الظلمة حفيف ورق الشجر بجوار الخيمة  فتغلق جوانبها حتى لاتسول لى نفسى الخروج فيخطفنى القشيرى ويتم افتتاح المدشة  بعد اسبوع من

التهامها الجسد..

يغادر القشيرى الى مناطق اخرى يختفى فيها القمروالنجوم  يواصل بحثه   .

استقر القشيرى على اطراف قبلى الواحة  بعد أن وجد بغيته وحيد ابويه بجوار المقابر  ابن عابد وعابده اولاد الحلب فلقد رزقا صغيرهما عبيد الحلبى بعد صبر دام عشرين عاما لفت فيها عابده على كل المشايخ الذين تمكنوا من فك كل الاعمال السفليه والعلويه حتى قابلها رجل صالح تمكن من فك آخر الاعمال السحريه  فحملت بعده ورزقت بعد تسعة اشهر بعبيد الحيله  الذى اختطفه القشيرى ومات من السكتة خوفا من منظر القشيرى المخيف ، ومازال ابواه يبحثان عنه فى كل مكان حتى بعد ان افتتح اسكنسن مدشته  الجديده ، واصيب عابد وعابده بلوثة لفقدان وحيدهما .... : .. الله عليه العوض فى كل الطرقات :.يكرران على الدوام 

الله جاب الله أخذ.  

 قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه

  

الأحد، 13 سبتمبر 2020

الجمعة، 11 سبتمبر 2020

 الاحمر


شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا

حيث الالعاب الناريه

والمخدرات  طوال الليل والنهار


الاحمر

بأ بأ .. تأ تأ .. صأ صأ .. مجموعة من الاصوات المتداخلة والغير واضحة تخرج من فم الرجل  الاحمر اللون البدين الذى جاء منذ عام مضى ليرتاد مولد سيدى بومديه  شأنه فى ذلك شأن سائر الدراويش ليشاركوا بالذكر المقام فى ساحة بومديه طوال ايام المولد .

يقف بهلول الاحمر امام الجزار ويأخذ قطعة صغيرة من اللحم يلوكها غير مستوية ويمضى ليسير وراءه الصغار يصفعونه أويشدون ثيابه فيبدى بهلول تأزمه من الصغار ويجرى كى يتمكن من الهروب الى جنوب الحى  .

مرّ الشهر ولم يغادر بهلول الحى  مع انتهاء مولد سيدى بومديه  وفضل الاقامة بجواره دونا عن سائر أولياء الله الصالحين .. اتخذ بهلول المقابر الكبيرة مقرا لنومه عقب جولته اليومية فى الحى يجمع فيها مايقوته فى الصباح والظهيرة والمساء ومقرا له  يكتب رسائله  ويحملها اقدام الزاجل ليرسلها الى سيد الصحراوات وكبير قطاع طرقاتها  ساديم الركبيه  .ليغير على مواطن الثراء بواحات الصحارى الثلاث ويرحل محملا بالغنائم.. يأتى المساء فيقف بهلول فى الزحام  .. تستطيل أذناه الى  أحاديث ابناء الحى يتسامرون ويتباهون بمصادر ثراتهم الطائلة من بيع المدفون فى باطن الصحراء من قطع أثرية نادرة اوزيوت مختلفة الالوان اوزجاج نادر يصنع من رمال الواحة الوسطى التى تتمتع برمال لاتشبهها رمال  فيهرول الى مقر اقامته بالمقابر ليرسل رسائله الى سيده محددا اماكن الدفن و ينام .

يأتى الصباح ليغير ساديم على مواطن الدفن ويجردها من كل محتوياتها .. يقتل رجال الحى .. يسبى النساء ليصبحن اماءا له ويهدى بهلول الاحمر منهن عشرا لعشقه الدائم للحسناوات والذى لم يبده فى نظرات بحثه الدائم عن اهدافه بين خيام دروب الحى . 

.

قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


الخميس، 10 سبتمبر 2020

 جليسة خاصة جدا


شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا

و الالعاب الناريه

والمخدرات  طوال الليل والنهار


جليسة خاصة جدا


أعلن رايب فحلاوى عن حاجته الماسة والشديدة الى جليسة خاصة جدا تؤتمن على أسراره الحياتية عائلية وذاتية ان لزم الأمر .. أعطى رايب مواصفات الفتاة الى غلمانه الكثيرين ، وحملها الغلمان لينطلقوا الى مختلف الشعاب والخيم المنتشرة عبر صحراء الواحة الكبرى .. يفتشون عن بغية العجوز الذى أوشك أن يفارق الحياة .

مازال الرجل ملازما خيمته الوسيعة بشعب  الحسر الذى يتوسط المسافة بين البادية الكبيرة والحضر الصغير .. يضع فحلاوى صورة فتاته التى جسدها له فى لوحة غلامه الموهوب فى فن الرسم فجاءت كما كان يتخيلها طوال الثمانين عاما الماضية .. عينان سوداوان .. شعر ليلى غزير ولون بشرة بطعم حليب ناقة أمه التى تربى عليها مع اخوته الراحلين والباقين على قيد الحياة حتى سن الفطام ومابعدها .

يقبل الرجل العجوز قدمى فتاته فى نسخ الصورة المكررة  والمعلقة على كل ركن من أركان الخيمة  .. عاد الغلمان بعد شهر من الترحال على ظهور النوق البيضاء الفتية وقد جاءوا بمائة من الفتيات الشديدى البياض الملون بحمرة الدم المتدفق من الوجنات  .. لوّن الغلمان شعور فتياتهن المائة بلون الليل ، وارتدين العدسات السوداء اللاصقة .

اصطف طابور الفتيات أمام خيمة المسن وخرج مستندا على كتفى أحب غلمانه والمقربين دائما الى قلبه العليل .. فتح الرجل عيونه المغلقة وأرسل نظره الضعيف يتفرس بشرات المائة صغيرة فصدمته حمرة الوجنات ليسقط من بين كتفى غلاميه العاشقين .. يكره العجوز لون الدم الذى أراقه قطاع الطرق وهو ابن الخامسة من عمره لدم ابيه وامه بعدما نال منها غلاظ القلوب من الصعاليك .

لعن الرجل آباء غلمانه الاشقياء الذين يتسببون فى نكوصه الدائم الى الخلف حتى جعلوه غير قادر على الحركة لاصابته بالشلل المؤقت .. تجمع الغلمان وحملوا سيدهم فوق الاعناق وأدخلوه الى قلب الخيمة .

سالت دموع العجوز بعد اكتشافه زيف ليل شعر الصغيرات لعدم جفاف الصبغة السوداء التى تركت بعضا من الشعر الذهبى الذى يكرهه والذى كان يجرى خلفه الصعاليك وراء كل القوافل التى تحمله نساؤها زينة على صدورهن وآذانهن وأنوفهن ، والذى تسبب فى مقتل امه وابيه وبعض من أخواته البنات الصغيره .

أمر رايب فحلاوى صرف المائة فتاة بعد أن عوّض كل واحدة منهن عن الوقت الذى استغرق الشهر منذ التقطهن غلمانه من الاسواق حتى عودتهن الى الاماكن نفسها .. يعود رايب فحلاوى الى حزنه الدائم ووحدته الموحشة .. يحاول غلاماه المقربان والغلام الرسام االتسرية عن سيدهم ومسح دموعه المتدفقة فلايفلحون .. يعيد الرسام الكرّة فيرسم نسرا ضخما يملأ سماء اللوحة وينقض على الملاعين من الصعاليك الذين يمقتهم العجوز ويلتهمهم النسر الاسطورى والذى يشبه فى ملامح الوجه وجه رايب فحلاوى رمز الفحولة فى البادية الكبيرة والحضر الصغير  .. يعيد الرسام الرجل العجوز الى ماضيه البعيد حيث كان يتفنن فى الايقاع بفتيات الصعاليك ليقتلهن ثأرا لابيه وأمه وأخواته الصغيرات .

يقتننص الغلامان الفرصة التى أوقعه فيها الرسام ويأخذان فى القاء الفكاهات التى لم تفلح فى اعادة نظرة الرضا عنهم كما تعودا من سيدهما .. أشار رايب فحلاوى الى صغيريه الغلامين المحببين اليه بالكف عن المحاولة وفتح النافذة المجاورة له فى الخيمة فنفذا الامر فى أقل من لحظة ليشخص بصره باحثا عن جليسته الخاصة جدا والتى تشبه الى حد كبير امه الحبيبة .. ثبت نظر رايب على الفضاء العالى حيث التقت روحه بروح احبائه وتوقفت أنفاسه .. أغمض الغلمان عيون عجوزهم الحبيب وأخذوا فى التجهيز لمراسم دفنه فى مقبرة العائلة الخاصة ، ولعنوا سائر الغلمان الذين قصّروا فى تحقيق حلم سيدهم فى ان يعثر على جليسته الخاصة جدا قبل أن يرحل .

قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 سروال حريرى جديد


شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا

و الالعاب الناريه

والمخدرات  طوال الليل والنهار



سروال حريرى جديد


خرج أبوسماح من ملابسه ولم يبق الاعلى سرواله الحريرى الجديد الذى اشتراه من سوق العرباوى بالفسحة القبلية بعد أن لعن وسبّ آباء سنيه النباح زوجته وأمهاتها حتى سابع جد لأنها لاتكف عن الطلبات التى لاتنتهى من احتياجات للصغيرة ولها.

أمسك زعيزع الخوازيقى بالدلو الكبير يملؤه من القناية الصغيرةالواصلة بين عين الماء ومهبط النخلات الخمس لتمر أمام خيمتهم ، 

تتدفق المياه فى القناية الصغيره فيهرول الخوازيقى ليسبقها ويمسك بالدلو يملؤه ثم يطوحه فى الهواء ليرسم على أرض الدرب  خيما يحتمى ببرودة قلوبها السكان من شدة الحر ، وأغلقوا كل ابوابها ومنافذها بعد أن صارت السنة فصلا واحدا من الصيف فى صحراواتهم الواسعة .. يصب أبوسماح الماء على وجه الارض المرسوم وجسده العارى ليطفىء لهيبه .

يواصل زعيزع الخوازيقى رسم ملامح المنطقة لابناء الواحة بدلو مياهه المحدود بعد أن فتحت كل النساء آنية الماءءاستعدادا للقيلولة ان وجد الرجال أسفل قباء الحمامات الشديدة التهوية بدون فائده .

تفتح روميه السابغ نافذة خيمتها الخلفية المطلة على درب ابو سماح الذى سمى باسمه لانه اول من سكن به ليتمكن الخوازيقى من القفز الى الداخل .. أسرع زعيزع الى روميه وترك دلوه يرسم ترعة صغيرة وسط رمال الدرب .

أغلقت روميه النافذة خلف زعيزع مسرعة حتى لايلفت نظر أى عابر سبيل .. تنادى سنيه النباح على زوجها فلايجيب .. تصرخ سماح الصغيرة من شدة الجوع بعد أن فرغ لبن الام فأسرعت سنيه بالخروج حتى تأتى بزوجها ليحضر بعضا من لبن الماعز بعد أن جف لبنها فى الشهر الثالث عقب وضعها لسماح لمقابلتها عفريت من الجن اثناء زيارتها لقبر امها .

قابل الدلو الملقى على الارض وجه سنيه فاستغربت من اختفاء زوجها لتنادى عليه بأعلى صوتها ، ولامن مجيب .. لملمت المرأة الدلو والقليل من الماء المتبقى فى قاعه وحملت صغيرتها الى خيمة النباح عايص ابيها ، وقبلت يديه حتى يرق قلبه على حفيدته الصغيرة فيمنحها القليل من كثير أمواله التى يجنيها من تجارته فى الابل .

دق عدلى ريمان باب خيمته  ليقفز زعيزع الخوازيقى من النافذة الخلفية عاريا حتى من سرواله الجديد ، ويجرى الى باب خيمته فيجده موصدا ليواصل النداء .. تفتح كل نساء الدروب نوافذ خيمهن  من علو الصوت ليتقززن من مشهد الخوازيقى عاريا  فتسارعن الى طلب الغوث من أزواجهن قبل ان تعود زوجته فيوسعوه ضربا  ويسلمونه الى المخفر.

يمنح عايص النباح ابنته بعض الدراهم فى ظل امتعاض زوجته الجديدة ، وتغادر سنيه حاملة ابنتها لتبدأ رحلة بحثها عن الزوج فتخبرها النساء عن مكانه .. تسرع أم سماح الى المخفر فلايصرح لها الخفراء بالزيارة فتعود من حيث جاءت ، وتهرول الى اخوة زعيزع الخمسة الذين يفشلوا بدورهم فى انتزاعه من مكانه حتى يرى المجلس القبلى فيه شأنا .

يسأل عدلى ريمان روميه زوجته عن السروال الحريرى الابيض الجديد الذى يعكس كل حرارة الشمس الحارقة ويشعر الجسم بالبرودة فتخبره بشرائها له من سوق العرباوى بالفسحة القبلية فيرتديه لاسابيع طويلة حتى تقرر روميه تنظيفه فيخلعه وتغسله ثم تنشره .

ترى سنيه النباح سروال زوجها حاملا ثلاث نقاط من دم يدها التى جرحت وهى تدخل الخيط فى عين الابرة  فتسرع الى المنشر وتلتقط السروال ..لتذهب الى  حكيم القبيلة وتحكى له كل القصة فيأمر بعقد اللقاء بين المحتجز وزوجته وابنتهما الصغيرة ويعودوا بعد ساعة الى خيمتهم .

ترحل روميه وزوجها عدلى ريمان الذى لم ينجب سوى ابن واحد واقلع بعده عن الانجاب .. قرر زعيزع عدم الخروج الى الدرب ورسم اشكاله المحببة فى فصل الصيف الطويل والتصق بسرواله الجديد الذى كان السبب الحقيقى فى خروجه من الحجز. .


قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


الأربعاء، 9 سبتمبر 2020

 الهزه


شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا

و الالعاب الناريه

والمخدرات  طوال الليل والنهار


الهزه

جلس دحروج عزوز النواتى على غرزة بتل رزق رميل يحرك عينيه يمينا ويسارا ، ويكثر من اهتزاز قدميه لتهز المنضدة  المصنوعة من جريد النخيل التى تحمل كوب الشاى الذى يشربه أمامه فتهتز صورته المتكسرة داخل الكوب .

يراقب دحروج مجىء طه المغربى المقاول الذى سيعمل معه فى ترميم بيت وديد العجان  الرابض على اطراف الحضر والذى أوشك على الانهيار فى صباح الغد ... سلبت اجساد الحسناوات المتشحة بالملابس المزركشة عقل وعينى دحروج فراح يلهث ليفصل بينه وبينهم جسد رجل ثقيل الظل فيزيحه بكل قوة كى تحلم عيناه المتسعة وتلملم كل نساء التل  فى مركز ابصاره .

يعاود دحروج مسح عينيه بيديه ليقوى على النظر من بعد بحثا عن طه المغربى الذى تأخر كثيرا حتى طلب دحروج شايه الخامس ولم يجد مكانا خاليا فى بطنه للسادس ولن يحاسب المعلم عواد زايد صاحب الغرزه فى هذه الليلة لان جيوبه خاليه الا اذا جاء طه وصدق فى وعده الذى يخلفه دائما كى يربط كلاما مع دحروج بمنحه الخمسة جنيهات من اجمالى أجر السبعة أيام مقاولة الترميم ليدفع جزءا من ديونه لعواد زايد .

يتابع دحروج النظر الى كل الحسان اللاتى تأتين من كل الاتجاهات  لتشترى المستعمل من تل  رزق لتصلحه وترتديه وتصبح كل بوصه عروسه .. يواصل دحروج هزّ قدميه غير أن هزّة ثقيلة أسقطت حجارة كبيرة من أعلى التل فجعلت كل الجلوس على الغرزة  وصاحبها والمارة يهرولون الى أماكن شتى عدا دحروج عزوز الذى لزم مكانه فلم تقو قدماه الكثيرة الاهتزاز على الحركة .

هشمت   الحجارة الثقيلة الكثير من الخيام المستظلة بالتل  وظل الاهالى يتفادون سيل الحجارة المتساقط من أعلى ليتداخل الاتجاهان فى اتجاه .

ينظر دحروج الى سقف  خيمة المطعم الذى امامه فيجده يرقص ليغادر كل رواد المطعم الى الخارج ويظل دحروج يحرك عينيه ببطىء شديد غير قادر على الحركة ..  تتسارع انباء سقوط المنازل على اعتاب الحضر ..يسقط منزل وديد العجان فتسيل دموع دحروج ويضيع أمله فى الخمسة جنيهات ربط الكلام كبداية للمقاولة التى كانت ستأخذ سبعة أبام بطول ايام الاسبوع .

تقول جدة دحروج الحاجه خضره أبوغنيم : ان الثور الذى يحمل الكرة الارضية على قرنه قد أصابه التعب فيضطر الى نقلها الى القرن الثانى فتحدث الهزة ، ولكل هزة ضحاياها ، وكان دحروج من  بين ضحايا هذه الهزة .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 الصاروخ


شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا

و الالعاب الناريه

والمخدرات  


الصاروخ


تغزل جدتى هانم رزق الله فتيل الصاروخ من شريطين قديمين ، تلفهما حول بعضهما البعض بعناية واحكام .. تنهرنى عن اللعب بعيدا عن الخيمة حتى لايخطفنى القشيرى عدو الشمس اذا ماارتطم جسده القوى بجسدى الضعيف فيحملنى بعيدا بعيدا .. أتوجس خيفة من رؤية الرجل الذى يفتح عينيه بصعوبة بالغة  فى وضح النهار ويرى بسهولة فى ظلام الليل .. تتعثر قدماى ولاتقوى على البعد عن حضن جدتى .

تجلسنى الجدة على قدمها ، وتلف الفتيل بأصابع يديها على القدم الأخرى فتقل نسبة الوبر البارزة من الشريطين القديمين .. تمد اليد فتمسك باناء الكيروسين وتسقط الفتيل داخله ممسكة بالطرف كى يسهل مروره فى بلبلة الصاروخ .

أتململ فى جلستى المريحة فتناولنى الجدة قطعة من العسلية لأعود الى استكانتى ، وأتفرس فى وجوه الخارجين والداخلين الى الدرب الطويل من خلال باب الخيمة المفتوح والذى تسده جدتى بجسدها وهى جالسة تعدد : رحت اللحود وقلت ياسدّاد أوعى تتكلنى على الأولاد

رحت اللحود وقلت ياسبعى واوعى تتكلنى على ولدى

تسيل دموع جدتى فأسرع الى مسحها بيدى الصغيرة بعد وفاة جدى وسفر خالى الى الحضر للعمل فيها مع ابن عم أبيه .

تحاول الجدة هانم مد اليد بطولها لتمسك الصاروخ وتضع الفتيل بداخله قبل أن يأتى الليل فلاتستطيع .. أهرول الى الركن وأحضره لها فتربت بيدها على ظهرى وأعود الى مكانى على قدمها حتى لاتغضب منى فتعيدنى الى أمى وأبى وأخوتى العشره .

تضع الجدة الكيروسين فى قلب الصاروخ ، وتبدأ فى ادخال الفتيل فلاتقوى اليد المرتعشه لتواصل عديدها :

ياعمود بيتى والعمود هدوه ياهل ترى فى بيت مين نصبوه ؟

ياعمود بيتى والعمود رخام ياهل ترى فى بيت مين اتقام ؟

تتساقط دموع جدتى مختلطة بالكيروسين الذى يلف فى دوائر أرى من خلالها خالى قادما من بلاد الحضر  البعيده لتكف جدتى عن البكاء على جدى فلايأتى ، وأقبل يدها فتحتضننى مع رحيل ماتبقى من اشعة حمراء للشمس تشد وراءها الأسود المخيف .. أدفن رأسى فى صدر جدتى هربا من عيون القشيرى التى ترى فى الظلام فتشعل هانم بنت رزق الله الصاروخ .. أفتح العينين حتى تطمئن جدتى الى نومى لتطفىء الصاروخ فلانحترق وتبدأ أحلامى الليليه .

قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com



الثلاثاء، 8 سبتمبر 2020

 


قلب الشجره

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار

قلب الشجره


يتمزق قلب الشجرة المعمّرة التى تمتد جذورها الى مالايقل عن ألف عام مضت ، ولم تتمكن قبيلة من القبائل فى العصور المختلفة مع تعاقب الدهور من  تقليم فروعها أوحتى قطعها .

تآزرت أظافر الأجيال المختلفة من الصغار ونحتت فى جسم الشجرة حتى تمكنت من صتع تجويف كبير داخل الشجرة المعمّرة ، واحتلها المعلم نادى بشله الذى جعل منها غرزة بوضع اليد ومنذ ذلك التاريخ القديم الذى لايعلمه أحد لمجىء كل سكان الحى بعده فقد سمّى درب الشجرة المعمّرة باسم بشله وسمى قلب الشجرة العجوز بغرزة  المعمرة وذاع صيتها فجذب انتباه كل ابناء القبائل الكبيرة ليشاهدوا عجيبة من عجائب الدنيا ويرتبطون بها بعد شربهم للقهوة التى يخلطها بشله بمقدار ضئيل جدا من زيت الأفيون فتشعرهم بحيوية الأسود التى شهد لها كل نساء الكون طوال الليالى الدافئة التى صادقن فيها شباب درب  الشجرة العتيقة عبر الدروب  الفسيحة بعد تجوالهم فى مزارع  واحة الوسط للمخدر بمختلف ألوانه التى تشيع البهجة فى قلوب الصغار والكبار فيتعاطونه ليل نهار .. يحلمون بلاشىء وسط الأخضر الذى يهب القوة والمياه المغردة فى سقوطه من شلالات التلال المرتفعة .

التقط عجوه ابن المعلم نادى بشله قطعة متوسطة الحجم من ثمار زهور الخشخاش ووضعها أسفل لسانه فمنحته قوتها ليهدم الجدار الذى يستند عليه حين شعر أن صدره يضيق ليقتله ، ثم أخرج علبة تبغه وأخرج سيجارة ليفرغ نصفها العلوى من التبغ ويحشوه بنبات البانجو .. أشعل السيجارة .. أطال النظر اليها .. لم يشعر بسقوط عود الثقاب المشتعل من بين أصابعه ..سرت النيران داخل مزرعة البانجو الجاف التى يمتلكها المعلم بشله خلف الشجرة العتيقة بوضع اليد أيضا ، وانتقلت بسرعة ضوء القمر الذى يحادثه عجوه الى حقل الخشخاش المجاور وقلب الشجرة المعمّرة .. سد الدخان الكثيف أنوف أهل درب بشله فسقطت رؤسهم بين أيديهم ، والتصق زبائن المقهى بالمقاعد  الجريدية حتى تفحموابمقاعدهم  كما تفحم عجوه وأبوه بشله وأهل الدرب  المسمى باسمه فى قلب خيامهم  ، وتاهت معالم الشجرة العجوز بعد أن حمل الهواء رمادها الى البعيد لينسى أهل القبائل  قلب الشجرة.

قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 


كأس من دم امرأة


من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار


كأس من دم أمرأه


    لعنت سالمه ابراهيم عواضلى كأس دمها الذى عجّل بنهايتها ، وأغرقت دموعها ساحة العدل فسقطت خلف القضبان تطلب الرحمة من فضيلة القاضى . 

    نظرت سالمه من وراء قضبانها الحديديه الى عيون عطيات واولادها الخمسه امام وحقى وصباح وأسرار وكريمه لترى فرحة الانتصار عليها .. كانت سالمه قد تزوجت من اسماعيل غريب حنفى جساس مراعى يزيد المعتوب وزوج جارتها عطيات الشحات حميده بعد علاقة دامت فى الخفاء أكثر من ثلاث سنوات قرر اسماعيل بعدها أن يهجر خيمته  وينتقل الى خيمة  سالمه أرملة صديقه حامد عبد الحافظ مبرزك الذى تركها وحيدة بدون سند فأغلقت خيمة البقالة بعد خلوها من البضائع . 

    أمسكت الحارسة بكتفّى سالمه لتعينها على الوقوف وتلحق بالترحيلات فتابعتها عيون امام اسماعيل أكبر ابناء عطيات والذى تسبب فى القبض على سالمه .. أبعدت سالمه عينيها عن العيون الشامتة واستدعت عيون اسماعيل التى زاغت على مبروكه عطيه العواضلى ابنة خالتها التى كانت فى زيارتها قادمة من واحتهم  البعيده ، وأفضى اسماعيل اليها برغبته فى الارتباط بها  فصارحت ابنة خالتها برغبة زوجها فقررت سالمه أن تتخلص منه ، وأعدت له شربة الكوارع الجملى  التى يعشقها وأخذت كأسا من دمها وخلطته بالشربة وراقبته حتى فرغ من آخر رشفة وتركته لينام وتابعته طوال الليل حتى تتأكد من تأثير الدم فى جسده لتتركه جثة هامدة فتضمن الثمن من معاشه كخفير فى شونة الحضر  ولايلقيها كما ألقى زوجته وأولاده من قبل . 

خيّب اسماعيل ظن سالمه واستيقظ فى صباح اليوم التالى لكنه لم يقو على الذهاب الى عمله وسقط فى الطريق أمام خيمته القديمه فأسرع أولاده يحملونه الى الداخل ويخبرهم بما كان من شربة الكوارع التى تسببت فى هزاله وعدم قدرته على الوقوف والسير ، ولم تمض ساعات قليلة حتى رحل اسماعيل بين ابنائه وزوجته القديمه . 

  أبلغ امام اسماعيل غريب المخفر الذى أمر بتشريح الجثة ، وكشف تقرير الطب الشرعى عن التسمم فتم القبض على سالمه ابراهيم العواضلى  واعترفت بعد أن ضيّقوا عليها الخناق بما فعلته فحكم فضيلة القاضى عليها بالاعدام فى ساحة السوق الكبير لتكون عبرة لغيرها من النساء . 

    اختفت عيون القاعه التى كانت تتابع سالمه ودفعتها الحارسه الى  ابل الترحيلات التى ستحملها الى سجن النساء فى انتظار تنفيذ حكم الاعدام بسبب كأس من دمها . 

قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


الاثنين، 7 سبتمبر 2020

 


لالو لوزه الرقاق

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار


لالو لوزه الرقّاق


يشير لالو الى عوض كى يخفف من شدّ لجام ذكيه الحماره العجوز حتى لايسقطه على الارض فينصاع الصغير الى امر ابيه فى أول درس له كحمّار .. اصبح لالو غير قادر على تحريك اليد اليمنى والقدم بعد اصابته بالشلل فى آخر ليلة عرس كان يحييها تحت اسم لوزه الرقاق كاسم مستعار لم يكتشف حقيقته أهل حى مبيركه الافى اليلة المشؤمة التى اصيب فيها لالو .

كان لالو يتحول الى لوزه كل مساء عندما يرتدى فستانه ويضع اصباغه ليصبح اجمل امرأة بين نساء الواحة الكبرى  لشدة بياض بشرته الناصع فيطمع فيه كل الرجال ، ويبدأ فى الدق على الرق لترقص كل نساء الحى ويغنى بصوت اعذب من صوت دنار اشهر  مغنية بواحات الصحراوات الثلاث  فيصمت كل رجال العريس فى الخارج كى يتمتعوا بصوت لوزه الجميل داخل خيمة النساء .

يبدأ عوض ابن السبع سنوات فى الدق على الدف لترقص على ايقاعاته لوزه فتفتح كل النساء افواهها ويتعلمن فى مدرسة لوزه اصول فن الرقص الشرقى .. يخلع لالو شعره المستعار مع اول ضوء للصبح ويجهز مع عوض ابنه حمارتهم ذكيه كى يحملان الاعيان من جسر واحة الصحراء الوسطى الى الحى فتتسع عيون نساء القرية تتابع متفرسة جمال لالو الاخاذ وتتوحم كل حامل علي طوله الفارع وعيونه الملونة وشعره الذهبى لان أصوله اعجمية كما ردد الكثير من عواجيز الواحة .

يعود لالو وعوض الى المنزل مع غروب الشمس ليتناولا غذاءهما وينالا قسطا من الراحة استعدادا لدقة زار زوجة كبير حى مبيركه .. تتفنن لوزه فى استخراج الجان الذى يسكن جسد هنيه الموين زوجة غرباوى الغندور وترقص كل نساء الكفر حولها .

تعلو دقات لوزه وصاجات عوض الصغير حتى تتساقط النساء من الاعياء مع دموع عوض حزنا على امه مسعوده التى تركته العام الماضى وفارقت الحياة  بعد مرض شديد فى صحبة لالو زوجها فورث الصغير الصاجات ولون امه الاسمر وتعلّم الدق على الدف من لوزه الرقاق .

يأتى فرح بهيجه بنت هريدى ابوصوير فيصفو صوت لوزه لينقض عايد ولد هريدى على لوزه وهو ثمل وسط نساء الكفر ويحاول اغتصابها فيضيق نفس لوزه لثقل جسد عايد وتصاب بالاغماء فيتم استدعاء طبيب الوحدة الصحية وتخفف النساءمن ملابس لوزه فيكتشفن حقيقة التى تهافت عليها الرجال ، ولالو الذى عشقته كل النساء .. يصاب لالو بالشلل فيأسف الجميع على ماأصاب الحمّار الذى كان ينقل ضعيفهم وكبير سنهم على حماره من مكان الى آخر ، ويأسفون على لوزه التى كانت تنعش لياليهم الجميله ، ولزم لالو الفراش بأمر من طبيب الوحدة حتى صرح له بالحركة بعد ستة أشهر  فأخذ فى نقل خبرته كحمّار الى صغيره عوض الذى تعلم من لوزه الكثير .


قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 


ليلة الحضره 

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار

ليلة الحضره 



يأتى مساء الخميس من كل أسبوع فينطلق البخور من الرحبة الوسيعة  خلف خيمة عليمى الحاج أحمد ايذانا بقدوم سيدنا الخضر ليقيم حضرته الأسبوعية فى ليلة الجمعه .

تغمض الجده هانم  بعد أن تتأكد من تغطية اولادها شحتوت  وحميدى  وهشيم  وزخيرة  ولايشاورها العقل فى أن تبرح مكانها لتتجه ناحية الرحبة  التى  تقام فيها الحضره وتترك الجد عليمى يقوم الى صلاة الليل .

يعلو صوت الحضرة فى آذان الصغار النائمين لتكرر ألسنتهم لفظ الجلالة وسائر الأسماء الحسنى .. تقول الجده هانم : ان سيدنا الخضر اختار خيمة  عليمى من بين الخيم  لأن عليمى الحاج احمد قلبه أبيض ولايكره أحدا ، ولما يدخل الخضر خيمة تحل فيها البركه .

يغطى دخان بخور الحضرة كل أركان الرحبة  فلايستطيع واحد من أهل الخيمة  رؤية سيدنا الخضر صاحب الكرامات وتنغلق العيون بمرور الخضر ويزيد مابالرحبة  ولاينقص  .

يضع الجد عليمى  فى الصومعة الطين الكبيرة  خمس جرار من الفخار مملوءة بالجبن القديم ، وخمس للعسل الأسود كى يكرم ضيوفه من محبى سيدنا الخضر الذين يأتون اليه من كل الاحياء  القريبة والبعيدة لزيارة الرحبة  فلاتكاد أطباق العسل الأسود والجبن القديم تفرغ حتى تمتلىء .

تؤكد الجدة هانم  على الصغار ضرورة أن يلقوا السلام اذا ماجاءت سيرة سيدنا الخضر الذى فضل رحبتهم  على كل رحبات الخيام  فيلقى الصغارالسلام على صاحب العز والاقبال كما يقول الجد عليمى الحاج أحمد حين يعدد كرامات سيدنا الخضر الذى يسير على الماء ويطير فى الهواء ليساعد الضعيف ويقف الى جانب المظلوم ويكره الظالم فهو بحق قطب الرجال فى كل الزمان .

يحلم الصغير حميدى أكبر ابناء عليمى بأن يعينه سيدنا الخضر على أولاد الحلب الأشقياء الذين يضربونه كلما ذهب مع اصدقائه ليلعب فى الرحبة القبلية  ، كما يحلم شحتوت  بأن يأتى له سيدنا الخضر بحمار شديد بدلا من الحمار الذى نفق من كثرة أحمال عليمى  عليه حين يأتى بأجولة القمح والفول والذره التقاوى من الاحياء  المجاورة ليبدرها فى أرضه بالواحة فلايقوى الحمار على حمل الصغير ليأتى بالمعسل القص لوالده من يوسف الدخاخنى ، أما هشيم فيخاف أن يحلم بسيدنا الخضر ويضع وجهه فى حضن أمه كلما رأى اللون الأخضر الذى يدل على مجىء سيدنا الخضر ، ولم تزل زخيره  فى سن الفطام غير قادرة عل الحلم .

ومع رحيل جدى عليمى  الحاج أحمد لم تقو جدتى هانم  على استخراج العسل والجبن القديم من الجرار العشرة فانقطع ضيوف الرحبة  ولم يتبقى فيها  سوى البخور الذى ينطلق مساء كل خميس ليحمى خيمة  عليمى  الحاج أحمد  من كل مكروه وشر  مع مجىء سيدنا الخضر ليقيم حضرته فى ليلة الجمعه .


قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 اعادة الانتخابات فى دائرتنا

==============

عذاب كبار السن فى رحلة التصويت 

=====================

تانى مره

======

ارحموا من فوق السن يرحمكم من فى السماء

ولوموش عايزين فبراحتكم 

لنا الله 

=======

تقرر اعادة الانتخابات فى دائرتنا الانتخابية فكتب علينا عذاب رحلة التصويت للمرة الثانية فى اقل من شهر لاشخاص لانعرف عنهم شيئا ولايعرفون عنا شيئا ولاعلاقة لهم بنا ولاعلاقة لنا بهم   .. ارحمونا يرحمكم الله.

نرتدى ثيابنا ونتوكأ على عصانا ، ونهبط عبر سلالمنا الطويلة المضنية والمرهقة للابدان حتى تنقطع انفاسنا لنلتقطها بعد دقائق كثيرة

ننتظر مرور احد التكاتك لنستقلها مقابل عشرين اوثلاثين اواربعين اوخمسين جنيها احيانا حسب مزاج سائق التكتك ، وفى طريق الرحلة الى مقر اللجنة الانتخابية ينقلب بنا التكتك ، ويسارع اولاد الحلال الى انقاذ ارواحنا ، وينفضوا عنا التراب .

نواصل طريقنا الى مقر اللجنة المسجل فيها اسمى لأدلى بصوتى للمرة الثانية وانا فوق السن .

اصعد سلالم اللجنة الانتخابية الطويلة حتى ينقطع نفسى ، وادلى بصوتى ، وانزل السلالم الطويلة لينقطع نفسى للمرة العاشرة ، وأركب التكتك ثانية فى رحلة العودة مقابل خمسين جنيه ليصير اجمالى صرف التكاتك  رايح جاى مائة جنيه علشان ادلى بصوتى الذى لن يزيد اوينقص ، وينقلب التكتك فى رحلة العودة الى المنزل ويغيثنا اولاد الحلال لنعود الى المنزل سالمين ، ويحين بعد كل هذا  دور رحلتى الاذلية فى عذاب ركبتى للخشونة التى ابتليت بها وينقطع نفسى مع آخر سلم لسلالم منزلنا الطويله .

فبرجاء للمرة الالف للسادة المسؤلين عن الانتخابات اعفاء غير القادرين ممن فوق السن من التصويت الذى قد يودى بحياتهم نظرا لكم الامراض المزمنة  التى يعانون منها ،،،،، ويااخى وبناقص صوتى الذى لن يزيد اوينقص بالنسبة لمرشحين لانعرف عنهم شيئا ولايعرفون عنا شيئا.

ارحموا من فوق السن يرحمكم من فى السماء        

الأحد، 6 سبتمبر 2020

 


موائد الرحمن

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار


موائد الرحمن

ينتظر عوف عبد المهيمن بأحر من الجمر  قدوم شهر رمضان المعظم لأنه سيتمكن من الافطار والسحور الكامل الدسم يوميا على مائدة أحد المحسنين الذين قرروا أن يفطّروا ويسحّروا يوميا مالايقل عن أربعمائة شخص ككفاره .

يقف عوف أمام السرادق وهو يقام عمودا عمودا ، ويتم وصلهم بقطع من الخيامية المزركشة بالاقمشة الملونة المخصصة للزفاف والوفيات والطهور احيانا .. يرص عمال الفراشة عدد أربعمائة مقعد خشبى متين خشية سقوط أحد الصائمين أوالصائمات لثقل وزنه وخاصة فى الايام الاخيرة من الشهر الكريم .

جلس عوف على مقربة  من الخيمة التى احتلت ثلثى الدرب  ينتظر الفراغ من نصب السرادق الذى سيستقبل أول سحور فى الشهر المبارك .. هبت رائحة بخار ماء تسوية لحم الجمال  لتصل الى جذور أنوف الجالسين بجوار السرادق فيتمايلوا طربا من شدة العشق .. تدخل عشرات الاطباق من العيش المميز الذى لايرى الا على موائد كبار المحسنين فتطير عقول الضعفاء من الجالسين على الرمال  ويزداد تمايلهم على صوت أحمد البغدادى العالى دائما : وحدوه .. فيعقب كل الجالسين : لااله الا الله محمد رسول الله .

يسّر عوف الى نفسه : ثلاثون ليلة ستبدأ أولاهن الليلة .. سينتظر المتسحرون حتى يلحق كل منهم مقعده وسيجلس المتبقى خارج الاربعمائة مقعد خارج السرادق على الرمال  ولن يضار أحد طالما سيأكل وجباته الشهية  .. تنتظر عشرات الاسر الموائد بفارغ الشوق .. يجهزون أولادهم لرؤية ليلة الرؤيا التى يحتشد فيها ابناء كل المهن المختلفة ومريدوا الطرق الصوفية المختلفة ويجوبون الدروب  احتفالا بقدوم الشهر الكريم .. تفرغ الاسر والاولاد من مشاهدة مظاهر الاحتفال وينتظرون طوال الليل حتى يلحقوا مقاعدهم فى السرادق ليدعوا للمحسنين الذين أتاحوا لهم هذه الفرصة .

تخرج عينا عوف عبد المهيمن على المكسرات التى يحملها الرجال لتدخل الى المخزن .. تتبعها رائحة المشمش المنبعث من لفات قمر الدين والتمر النادر الوجود القادم من واحة الصحراء الكبرى  .. يسرى ريق عوف عبد المهيمن درويش الطاهر الفاقد للذاكرة منذ زمن لايعرف مداه أحد فلايعرف أحد من أى حى أو قبيلة  جاء عوف ، ولايعرف قريب أوبعيد الصلة بابن عبد المهيمن فمنذ عشر سنوات وهو يجلس الى جوار مصلى  الطاهر وأصبح من محاسيبه .

يفرغ عمال الفراشة من عملهم فينطلق المحاسيب الى الداخل يتزاحمون .. يحاول عوف عبد المهيمن أن يمر بين مئات المتسابقين الى الداخل .. يصده الزحام فيقتلع عامودا خشبيا ويسقط على أم رأس عوف الذى يستعيد ذاكرته ويلفظ أنفاسه الاخيرة على موائد الرحمن .


قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 


نقوش جيريه

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار


نقوش جيريه

يرسم شلبايه عبد الله النقاش بالجير على الجدران الطينيه  لكل منازل الواحة  قصة رحلتهم الطويلة من بلاد الحجاز الى بلاد المغرب البعيدة  منذ اكثر من ألف عام مضت .

توارث شلبايه هذه القصة مع أولى الكلمات التى تعلمها فى قاموسه اللغوى  .. يمسك شلبايه بفرشاة الجير الملون بالازرق ويغمسها فى الدلو المعلق على السلم الخشبى الكبير المزدوج الذى يقف عليه ويطوّح بها فى الفضاء ثم يجعلها تستقر أعلى واجهة المنزل ترسم أول خط فى الرحلة الاولى .

تنطلق القبائل من شبه الجزيرة الكبيرة الى شبه الجزيرة الصغير بالمحروسة فتمسك اليد الاخرى بفرشاة الاخضر ويرسم شلبايه أشجار الزيتون الكثيرة ويلّون الازرق الصافى مياه النهر  والبحرين الكبيرين ثم يغطى الاصفر مساحة كبيرة من الواجهة .. ينثر بين جنباته خيما كثيرة لرجال القبائل وعرق يتصبب تحت شمس حارقة يرسم شلباية صورة أشعتها بعنايه .

يعود اللون الاخضر مطلا برأسه فى اللوحة الجدارية مع وصول شلبايه الى الخضراء لينعم المسافرون بالظل ويتزوج بعض رجال القبائل من فتيات الواحة الخضراء  الجميلة وينجبون اولادا كثيرين ، ويرحل الآخرون الى أقصى الغرب .

يجلس شلبايه ليلتقط أنفاسه اعلى السلم المزدوج ، ويأتيه سيد أبو أميره القهوجى بخرطوم النارجيله الطويل الذى يصل بين فم شلبايه ويد سيد الواقف على سطح الارض ويبدأ شلبايه فى وصلته الغنائيه الطويلة فيطرب لها سيد .. يغنى شلبايه للابل الصبورة التى استطاعت أن تخترق كل هذه المسافات خلال شهور الصيف الطويله ، كما غنّى للرجال الاشداء الذين تحملوا وحشة الليالى المظلمة فى قلب الصحراء الوسيعة بحثا عن الرزق الوفير .

يعاود شلبايه الكرّة ليرسم رحلة عودة البعض الى المشرق مع القليل من الابل فيتخلف عن الركب جزء أسفل مآذن الواحة الخضراء ، ويواصل المتبقى الرحلة ليقيم فى الفسطاط فيرسم شلبايه مآذن المسجد العتيق.

يتأرجح السلّم المزدوج الذى يحمل شلبايه عبد الله النقاش بدلائه السبعة الممتلئين بكل الوان الطيف ويسقط .. تتداخل الالوان فيغطى اللون الاسود جسد شلبايه ويسرع عبد الرازق الدكرورى صبيه الى نجدته ويعينه فى تشكيل ألوان الدلاء السبعة التى ينقش بها شلبايه قصة الرحلة الطويلة بنقوش جيريه .


قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


السبت، 5 سبتمبر 2020

 آه ياهوى الاحباب


شارع الجمهوريه اول فيصل

زمن الكورونا

حيث الالعاب الناريه

والمخدرات  طوال الليل والنهار


آه ياهوى الاحباب

آه  ياليل  .. ياعين .. ياهوى الاحباب .. يزيد المغنواتى من آهاته التى بلغت الذروة  مع أول نظرة رأت الجميلة .. كانت حلما فى خيال المغنواتى وحين رآها تتجسد أمامه لم يصدق عينيه فسبحان من له الكمال  .. طالت بالمغنواتى الليالى يرسم ملامح أول لقاء .. أشرقت فتاته ناصعة البياض بلون القطن ، سوداء الشعر بلون الليل بلانجوم حتى لاترى فيه كف يدك .

مازال المغنواتى يتأوه من الهوى حتى قارب أن ينهى وصلته الغنائية الاولى ليهوى مع صعود نجمها  من خلف  باب الخيمة  داخل عينيها العميقيتين التى تصدّرت كل العيون المتمايلة من حوله من شدة العشق فى ساحة الواحة  الكبرى .. يسرى الدفىء الى كيانه فيتواصل معها ثم تسحب روحه وتختفى .

يسقط المغنواتى بين آلاف المعجبين الذين تحلّقوا حوله فيجىء الحرس الخاص وينتزعه من قلب الزحام ليستريح فى الخيمة  المعدة له بعد وصلته الاولى .. يبدأ المغنواتى فى شرب كوب الزنجبيل .. يزيد من اشتعال جوفه ..ويعيد أحباله الصوتية الى الافضل .

يزيح الحرس آلاف المعجبين المتزاحمين حول باب الخيمة  لتحية المغنواتى .

تبدأ الوصلة الثانية : آه ياهوى ، وتتراكم الآهات فيزداد تعالى الاصوات من المتحلقين حوله كل ومعشوقه بعد العودة من رحلاتهم داخل العيون الحالمة .

يدفع حرس الجميلة المتزاحمين بكل قوة كى يخلو الطريق أمام عينيها مختبأة خلف باب خيمتها .. ترقص الاحبال الصوتية وتعزف أرق وأعذب الالحان لربة الصون والعفاف أجمل محبوبة وقعت عليها عيون المغنواتى .

تحرك الجميلة الشفتان اعرابا عن الشكر .. تنطلق رائحة المسك من فم المحبوبة فيزداد طربا ويطرب كل محبيه ويغنى كما لم يغنى من قبل متوكئا على الآهات التى تأتى من أعماقه لتوقف المحبوبة على هذا العشق الملتهب .. تتقد مشاعر حرّاس الجميلة بالحنق والغضب لاجتذاب المغنواتى عيون كل المحيطين به الى مصدر الهامه والتى تشبه كل محبيه .. يشدو المغنواتى للفم خاتم سليمان البالغ الرقة والجمال فينظر كل عاشق الى فم محبوبته ويتركه مثبتا النظر على الفم الذى يتحدث عنه المغنواتى ، ويبدى حرّاس الجميلة التأفف من صراحة وتعريض المغنواتى ويتبادلون النظر ليؤكد كل منهم للآخر قرب ساعة الصفر .

القوام قوام الغزلان .. تتجه عيون العشاق الى قوام الجميلة وتأسى كل محبوبة على نفسها .. يواصل المغنواتى وصلته الثانية مستفيضا فى سرد محاسن ومفاتن محبوبته التى تأتيه كل منام لتستمع اليه وسط حراسها والآف العشاق .

يختم العاشق وصلته مع ملامسة اشعة الشمس المتسللة من بين التلال والكثبان الرملية وجه ساحى الواحة الكبرى مفتونا بوجه قمر الزمان التى تغادر المكان وتودعه بأيماءة رشيقة .. ينسحب المغنواتى وراءها ليلحق بها غير أن سيوف الحرس الخاص للجميلة توقفه مهشمة عظامه .

يأسى كل العشاق على حال المغنواتى الذى يخرج آهاته المكتومة مع مجيىء المحبوبة كل ليلة ترى العاشق غير قادر على الحركة لما أصابه من كسور نتجت عن تهشيم عظامه  ، ويواصل المغنواتى شدوه ، وآهاته فى هوى الاحباب .

قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 


ابوقردان

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار

ابوقردان


تنطلق أسراب أبوقردان تحلق فى الفضاء اللانهائى تبحث عن بقايا اللون الأخضر الذى رحل مع اندلاع نيران حريق كانون سوتياته بنت حارس نور القرداتى .

تدقق عيون السرب الصغير .. تفتش عن الديدان من أعلى فلاتجد الا اللون الأصفر فى الصحراء الممتده بطول آلاف الكيلومترات تحيط بألسنة النيران التى مازالت تلامس أجواء الفضاء العالى منذ خمسة أيام مضت .

تصيدت عيون السرب الكبير بعضا من نبات الصبار المتناثرة فى بطن الصحراء الواسعة فأصدر قائد السرب اشارة بالهبوط ليتبعه سائر أفراد السرب ويتوالى هبوط بقية أسراب أبوقردان .

تتحلق طيور أبو قردان حول الأزرع الخضراء المتشحة بالأصفر ووجوه الشوك الذى يضن بقطرات مائه لتخلو السماء من سحابة صغيرة فى المنطقة الكبيره .

تمتد آلاف المناقير الطويله تنقب فى الدوائر المحيطة بالصبار .. يوفق شباب أبوقردان فى العثور على عشرين دودة بطول ألف من السرب فيقدمونها للصغار وكبار السن قبل أن يلفظون أنفاسهم الأخيرة .

تستعيد الأسراب قدرتها على الطيران بعد أن جاءت على نهاية الوليمة مضافا اليها نباتات الصبار فيرحل اللون الأخضر المصفر الى العدم .

تواصل أسراب أبوقردان رحلة البحث عن اشجار جديدة سكنا لها بدلا من التى مازالت مشتعلة بسبب سوتياته بنت حارس نور القرداتى التى أشعلت نيران كانونها ليشيع الدفىء حتى لايموت حارس نور القرداتى وقرده ميمون من شدة برد طوبه الذى حول الماء الى جليد وتسبب فى وفاة مائتين من كبار السن وثلاثمائة من الأطفال الرضع حتى امتلأت مقابر شويخ فأخذ أهل الحى  فى بناء مقابر جديده لتستقبل سكانها الجدد .

تشكل الأسراب دوائر كبيرة حتى تقل سرعة طيران كبار السن والصغار فيتحولون الى مربعات ومستطيلات ومثلثات تتلاشى مع عودتهم الى نقطة البداية فوق ألسنة النيران التى أكلت أعشاش ابوقردان فوق أشجارها العالية وماتحتها .

تزيد أجساد الصغار والشيوخ من السرب المتساقطة ازرع   النيران الممتدة فتتسع بطن النار لتلتهم الحى وعشرة احياء  مجاوره .. يبعد الناجون من السرب الكبير عن النيران ويحط الجميع حول رماد الحقول المحدودة  التى خلفتها الحريق ليستخرجوا غذائهم وتهطل دموعهم على فقدانهم لآلاف الأصدقاء من الفلاحين الذين كانوا يعملون معهم فى تنظيف الأرض لاعادة زراعتها .. شبعت الأسراب ونامت فى مكانها حتى طلوع الفجر لتوقظهم أصوات خوار البقر ومأمأة الماعز والخراف فملأت الفرحة عيون ابوقردان مع عودة بعض الناجين من الفلاحين فى صحبة ماشيتهم ليعيدوا الحياة الى أرض حى  شويح الذى تسبب فى حريقها الكبير القرد ميمون الذى لامسته نيران كانون سوتياته بنت حارس نور القرداتى فقفز لتشتعل النيران بظهره لينقلها الى كل منازل الحى والاحياء المجاورة .

قبلت أسراب أبوقردان المتبقى من الفلاحين على قيد الحياة الذين أخذوا ينقلون الماء من آبار الحى  الى القنوات المؤدية الى أرض الحريق لتخمد فتتمكن الأسراب من اعادة بناء أعشاشها على الأشجار الجرداء المحترقة حتى تخضّر .


قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


الجمعة، 4 سبتمبر 2020

 


ميراث البنات

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار


ميراث البنات

حار نعنوعى العطوطى فيما سيتركه من أرث لبناته الاربع فهو لايملك درهما  واحدا غير قوته وقدرنه على العمل كسنان  للسكاكين والمقصات والسيوف والسهام  الذى أوشك أن ينقرض .. حاول نعنوعى السنان أن يقتطع جزءا ولويسير ليدخره لبناته القصر كى يتركه ميراثا  يستندون عليه بعد رحيله لكنه لم يوفق .

استطاع نعنوعى  أن يدخل بناته الاربع مدارس متوسطة بالحضر  ،وحصلت اثنتان منهن على دبلوم التجارة .. لم يعوز نعنوعى  بناته الى أى من أقاربه طوال حياته فلقد كان يعمل ليل نهار ليلبى احتياجاتهن .. تعرّف نعنوعى  على موظف بمجلس الحضر  البلدى ودأب على مجاملته بسن كل مالديه من سكاكين ومقصات وسيوف وسهام بدون مقابل حتى تمكن من أن يطلب من حامد عبد القدوس الخدمة فى تعيين أولى بناته الاربع فى المجلس البلدى ، وقدم حامد الطلب الى رئيس المجلس .. ظل الحلم يراود البنات الاربع فى العمل حتى جاءت البشارة بعد ستة شهور فى بداية السنة المالية الجديدة ، وتم تعيين تسعة عشر من ابناء العاملين فى المجلس البلدى وكان ترتيب بثينه العشرين فى التعيين بأجر مقابل عمل وكانت أكثر المعينين حظا فلقد اختارها رئيس المجلس فى مكتبه وذلك لفرط جمالها .. تمكنت بثينه بدلالها من انتزاع موافقة رئيس المجلس على تعيين ثانى بنات نعنوعى العطوطى ، وعملت بنفس الادارة باعتبارها من أخوات العاملات وكان المرتب ضئيلا .

استطاعت بثينه وبسنت أن يساهموا فى شراء ملابسهما ومكياجهما واحذيتهما فخفّ الحمل عن منعم ، ومازال قائما على سن سكاكين ومقصات وسيوف وسهام حامد عبد القدوس كلما نال منها الصدأ  عرفانا بالجميل الذى سيظل دينا فى رقبته طوال العمر .

حاولت فريده البنت الثالثة من بنات نعنوعى  أن تقنع امها زينات البياع واخواتها البنات بقلب خيمة  السنان  الى خيمة للبضائع المستوردة  وستقف فيها مع والدها فور تخرجها هذا العام وستلحق بها نوال العام القادم غير أن هذه الفكرة لم تجد صدى لدى نعنوعى  فرفضها ودخل رحلة مرضه القصير بسبب تراكم الصدأ وتراب حجر السن على جدار رئتيه .. خشى نعنوعى  أن يترك الاربع بنات وأمهم بدون ميراث أوسند فخيمة المعيشة وخيمة العمل  بالايجار وبوفاته سيسقط حقهم فى الايجار بعد وفاة زينات الام ، ولن يقف أحد من  اخوته الى جوار أى من البنات أو الزوجة لكثرة اعباء كل منهم .. سأل نعنوعى  كثيرا وبحث عن وسيلة تضمن لاسرته الحق فى تأجير الخيمتين فلم يجد فقرر أن ينفذ مااقترحه عليه حامد عبد القدوس ودخل مستشفى الحضر بكليتين ليخرج بواحدة مقابل خمسين ألفا ووزعهم بالتساوى على بناته الاربع والزوجة .. وضع نعنوعى  مبلغ عشرة آلاف باسم كل واحدة من البنات وكذلك الزوجة فى بنك الحضر ليعيشوا من عائد الورث الذى تركه وسقط عليه من السماء كما قال لهم فلقد ظهرت له قطعة أرض فى واحته البعيدة  البعيدة والتى شهدت ميلاده  وباعها أخوته وهذا هو نصيبه حسب روايته .. رقد نعنوعى العطوطى  فى سلام بعدما وزع الورث على بناته ، واجتمع شمل البنات والزوجة ليعلوا الدخل بعلو الفائدة ودعوا لنعنوعى  بالرحمة بعد وفاته لعدم تركهن يواجهن الحياة بلاميراث .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 


اختفاء

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار

اختفاء

تختفى الصورة تدريجيا عن أعين المشاهدين لتحل محلها الصورة التالية .. يبقى فى الذاكرة لحظات الميلاد المتعسرة وآهات الأم الدائمة خلال التسعة أشهر الماضية .. تنسج العيون ملامح الصورة الجديدة لطفل تفصل الحكيمة عنه حبله المتصل بالمشيمة فتتساقط من جسده أول قطرات الدم لتسرع الى ايقاف النزيف برباطها المعقم ، وتلقى بالمشيمة فى سلة المهملات .. تسارع الجدة الى احتضانها قبل أن تلتصق بالقاع البلاستيكى .

تختفى الصورة لتتابع الجدة رحلتها تجاه النبع القديم حاملة صومعة غذاء حفيدها الوحيد الذى أسمته منذ قليل عطية الله وحمدت ربها .

يمسك طبيب وحدة الحضر الصحية الوليد من قدميه ويرفعهما الى أعلى ويضربه على المقعده فيتدفق الدماء الى الدماغ ليعلو صراخ ابن زايناهم بنت محلاهم بائعة الليمون .

تزيح صورة الجدة الصورة السابقة حتى تصل الى شاطىء النبع  وتجلس على حجر لتفك العقدتين المحكمتين اللتين ربطتهما لتمنع تسرب الماء على رأسها . 

تدخل الحكيمة المولود عطية الله فى الجلباب الصغير الذى صنعته زايناهم وهى جالسة الى جوار أمها أمام جوال الليمون وسط سوق الحى  طوال النهار .

ترجو الجده محلاهم النبع  القديم أن يرد لها الحفيد كلما جاء يعانقه ليزيل عرقه ويطفىء نيران جسده المشتعل من شدة الحر حين يفيض النبع  بالخير الكثير وتقول : يانبعنا  العزيز هذا غذاءنا اللذيذ .. سد جوعك واحفظ وعودك ولاتغرق عطية الله ولد زايناهم بنتى .. يقبل النبع  الرجاء ويداعب قدمى العجوز بأمواجه الهادئه ويبتسم .

تقرب الحكيمة عطية الله من ثدى أمه حتى لايضيع لبن السرسوب الذى يبنى العظام فتفتح زايناهم عيناها فرحة بالوليد وتزيد من احتضانه حتى يشعر بدفىء امه فيحرك شفتاه وتروح زايناهم فى النوم ليتبعها الوليد .

تغسل الجدة وجهها بماء النبع  وتحمد ربها على سلامة ابنتها الوحيدة التى جاءها المخاض وهى جالسة الى جوارها فى السوق ، ولم توفق وديده الدايه فى توليدها وأوصت محلاهم بنقل ابنتها الى وحدة الحضر  الصحية .. اسرع أولاد الحلال الى الأم وابنتها واحضر عبد اللطيف البنى عربته الكارو وساعده الرجال فى حمل زايناهم ومحلاهم على العربة ، وحرّك البنى حماره بسرعة ليصل الى الوحدة الصحية فى دقائق قليلة حتى لاتضيع بنت محلاهم الوحيدة.

ألقت الجدة بالمشيمة الى جوف النبع وودعته لتسرع بالعودة الى الحفيد والابنة بأكلة تشبع النفسه .. تفتح زايناهم عينيها فلاتجد رضيعها .. تصاب الأم الصغيرة بالذعر وتسأل الطبيب والحكيمه ونزلاء وحدة الحضر الصحية  فلاتتلقى اجابة .. تمسك زايناهم بجلباب الصغير وتبلله بالدموع حتى تأتى محلاهم فتعيد السؤال ولامن مجيب .

أدارت الأم وابنتها مناديا ينادى على أولاد الحلال ويصف لهم أوصاف الغالى عطية الله الرضيع الذى فقد فى دروب الواحة التى اصيب نسائها بالعقم بعد رحيل الوباء الذى يزور الواحة  كل عشرين عاما ، ولم يصب بنت محلاهم التى لم تتمكن من تحديد والد المولود فى وسط الزحام . 

قالت محلاهم لابنتها : انت صغيره وسترزقين بغيره تتسندى عليه فى عجزك ماتزعليش .

تختفى الصورة تدريجيا عن أعين المشاهدين ، وتظلم القاعه .

قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


الأربعاء، 2 سبتمبر 2020

 


استغاثة من الجراد

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى

زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار


استغاثة من الجراد 

كتب الصغار استغاثاتهم على سعب النخيل وربطوه بأقدام الحمام الزاجل وارسلوه الى كل بقاع الارض , وأغلق الآباء والأمهات ابواب وشرفات الخيام مخافة دخول أسراب الجراد المجنونه لتقتل صغارهم .. أظلمت سماء الواحة  بعد أن غطتها ملايين الجراد الأصفر الكبير والأحمر الصغير فحالت دون وصول أشعة الشمس الى الأرض 

خلت دروب الواحة  من المارة وتم اغلاق خيم البيع  فلابيع أوشراء ولاذ التجار بالفرار الى خيمهم  , كما أغلق الحضر  كل المؤسسات والهيئات الحكومية والمدارس والجامعات والمستشفيات عدا دور العبادة التى فتحت أبوابها للفقراء المساكين وابناء السبيل ومن لايملك محلا للاقامة حتى يرحل الجراد 

أصر الجراد على البقاء فى سماء الواحة الخضراء  واحتل الدروب   وأسطح خيم السكنى.. بلغ رعب الصغار مداه مع رؤية الجراد يحاول أن يخترق الحواجز ليصل اليهم .. أسرع الأباء الى التصدى لجحافل الجراد وواصلوا اطلاق رسائل الصغار التى يحملها الزاجل فى اقدامه ليوصلها الى كل انحاء المعمورة . 

انخفضت درجة الحرارة الى ماتحت الصفر بكثير نتيجة التقاء موجات الصقيع المنطلقة من المحيطين المتجمدين الشمالى والجنوبى , ومازال الصغار يضعون أطراف أصابعهم على سعب النخيل ليحمل الحمام  استغاثتهم وثبت المنظر العام 

مر على المنطقة المتجمدة عشرون عاما , ومع انفصال الموجات الباردة الغريبة بدأت الحياة تدب فى أوصال الواحة  وتم ارسال استغاثات الصغار الى ارجاء المعمورة عبر الزاجل  

تم تحديد مكان الاستغاثة فجاءت النجدة من الأقطار المجاورة ليرحل الجراد متوهما مجىء موجة من الصقيع الذى يمقته .. عاد أهل الحى  الى حياتهم الطبيعية بعد مرور عشرين عاما وكان العالم قد انتقل الى عصر جديد 

قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 


البغال

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار


البغال

تقلب سومه بنت دوسه فى البغال التى أمامها حتى يستقر رأيها على العدد الذى ستستبقيه فى الخدمة وتستبعد المتهالك غير القادر على العمل ليأخذ طريقه الى الاعدام رميا برصاص السمّاوى المتخصص فى اصطياد الكلاب المسعورة والضالة .

يتصدر شباب البغال الفتية القائمة أمام مدخل حظيرة سومه بنت دوسه الشهيره  فينشرح صدرها لتخصص الاقوى والاكثر تماسكا لشد كريتات الشيخ طحيمر البلكاوى صاحب وادى النخيل  وولى نعمة العاملين بها ، وكريتات الهوانم زوجته وبناته الخمس اللاتى أوشكن على الزواج .

يقع اختيار سومه على أفضل ستة بغال لشد كريتات الشيخ  وستة آخرين احتياطيا لهم فاذا مانال التعب من الاوائل حلّوا مكانهم حتى يستعيدوا قواهم فيعودوا الى العمل .. تنظر سومه باشفاق الى البغل الثالث عشر الذى يحمل تبعة شؤم الرقم وترتعد فرائصه ، ولايقوى على الوقوف فتقف سومه على قلبها وتخطو عليه بعيدا عن دموع البغل العجوز وتعطى الاشارة الى السمّاوى الذى يقود البغل الى الخارج فى الارض الفضاء خلف الحظيرة  وتسمع بعد دقائق صوت الطلق النارى يخترق قلب العجوز .

تقف بنت دوسه حائرة أمام تسع وتسعين بغل تود أن تستبعد منهم تسعا واربعين وتستبقى الخمسين لتوزعهم على عيون القبائل  ممن يؤجر البغال من حظيرتها  .. سيأخذ ناظر وادى النخيل  أربعة بغال أساسى واربعة احتياطى لشد كريتاته ، وسيأخذ مهندس التنقيب  أربعة وأربعة .

تنطلق بين كل دقيقة ودقيقة طلقة من بندقية السمّاوى لتصيب العجائز من البغال فى قلوبها فتشعر سومه بنت دوسه بانتعاشة وراحة بال للتخلص من أعباء أكل هذه البغال غير المفيدة .

تواصل سومه توزيع البغال المتبقية على بقية أهل الواحة من الراغبين فى تأتجيرها ،  وتطلق الخيول على اناث الحمير فتتزاوج لتنجب  بعد ذلك بغالا تحل محل البغال غير القادرة على العمل مع عدم تزاوجها فالبغال لاتنجب .

قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com




الثلاثاء، 1 سبتمبر 2020

 


الخرزه

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار


الخرزه

تبحث سونه النونى عن خرزتها الزرقاء التى وضعتها أمها دوسه الرايق على صدرها فى لحظة ميلادها لتحميها من شر الحاسدين ، ولم  تفارقها لحظة حتى خلعتها لتضع القلادة التى أهدتها اليها عميشه خفناهى المسبله لتعيّنها مديرا لدائرة الخبز بدلا من غريمتها معزوزه الوردى التى تنازعها فى تبوء كل الدوائر والمناصب منذ تم تعيينهما فى يوم واحد بسن واحدة لاتزيد يوما أوتنقص .

تقلّب سونه فى كل الاوراق التى أمامها على مكتبها بأطراف الحضر  ، وتركع عميشه على ركبتيها لتبحث أسفل المكتب عن الخرزه العزيزه على قلب سونه النونى رئيس المعايش بدائرة التمويل الداخلى فلاتجدها وترسم علامات الحزن على وجهها لتشارك رئيستها المشاعر على الفقيدة الغالية .

تضع سونه يدها على صدرها وتتحسس مكان الخرزة الزرقاء المحفور منذ زمن بعيد فتصطدم يدها بالقلادة الذهبية وتنظر الى عينى عميشه الدامعتين فتطمئن الى مشاركتها الوجدانية فتتماسك وتعاود البحث ثانية .

تحاول سونه الوقوف والاتجاه الى منتصف الخيمه حيث يوجد اناء الورود الخزفى الذى يتوسط المنضدة الجريد القصيرة التى تجلس عليها عميشة بعد كل محاولة للبحث عن الخرزة الزرقاء .. أفرغت سونه كل الورود الصفراء التى تعشقها من الاناء الخزفى وأدخلت يدها تتحسس كل الجوانب الخشنة فى الاناء فلم تجد خرزتها الحبيبة هدية الغالية دوسه الرايق .

تعيد عميشه خفناهى المسبلة الورود الى مكانها وتفتش بعينيها فى أركان الغرفة فى محاولة جديدة للبحث عن خرزة سونه فلاتجدها .. تزلزل صرخات معزوزه الوردى باب غرفة سونه المجاور لباب غرفتها فتسرع سونه وعميشه الى نجدتها فتزداد تقلصات بطنها ، ويتم نقلها الى وحدة الرعاية بالدائرة التى تقوم باجراء الاسعافات الأولية والتى لم تفلح ، وتكشف الاشعة عن استقرار خرزة سونه الزرقاء فى معدة معزوزة بعد شربها لكوب  شربات الورد فى مكتب سونه ولم تفلح محتولات الاطباء فى استخراج الخرزة الغالية .

حزنت سونه النونى كثيرا على هدية أمها التى كانت تحميها من الحسد وتجلب لها الحظ .. لم تكد سونه تجلس على مكتبها حتى صدر قرار رئيس دائرة التمويل بتعيين معزوزه الوردى مديرا عاما للمعايش بدلا من سونه النونى بعد أن جاءها الحظ مسرعا على يد الخرزة الزرقاء المختبئة داخل معدتها .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 


الدبه البيضاء

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار

الدبه البيضاء


خرجت دبة بيضاء تبحث عن لون آخر غير اللون الذى يحمله قطيعها منذ زمن بعيد فلقد ملّت الدبة اللون الذى يعكس كل أشعة الشمس ويحرمها من دفىء الشتاء  الذى تشعر به سائر الدببة الملونين والتى تمتص جلودها كل أشعة الشمس لتخرج ألسنتها من شدة حرارة الأجساد .

غادرت الدبة البيضاء أرض قومها فاتسعت المسافات وتعددت الطرقات أمامها فتحيّرت فى دخول أى من الطرق الرملية المحشوة بالتلال  أو الممهدة التى فقدت الأشارات الدالة على وجود جماعات من الدببة الملونة مع نهاية أى طريق منها .

صرخت الدبة البيضاء فى الفضاء ليأتيها الصدى ، ولم يأتها بصوت آخر  غير صوتها  .. صمتت الجميلة لتستمتع بترديد نهايات صوتها ثم وصل الى أسماعها همهمات بشرية فدارت بجسدها حول محور ارتكازها وفتشت بعيونها عن مصدر الهمهمة  لتجد الصمت فدخلها الخوف من المجهول الذى ينتظرها على أيدى البشر .

تقدم الدبة قدما وتؤخر الأخرى تجاه الطرق التى أمامها ، وأخيرا قررت العودة من حيث جاءت واستدارت لتعود وانطلقت بكل ماأوتيت من قوة فرارا من الأيدى المختبئة .

حالف الحظ الدبة البيضاء لمسافة مائة مترا ثم ارتفعت فى وجهها الشباك الليفيه المتينة لتطرحها أرضا ثم تتكالب عليها سائر الشباك لتنقلها الى أقفاص الصيادين .. تم حقن الدبة بمهدىء فشعرت بدوار شديد كاد أن يعصف برأسها واستكانت لحالتها خلف القضبان .

جاء الصيادون بدبة بيضاء صناعية فى نفس حجم الدبة البيضاء المتمردة ، وتم تحريكها بالريموت حتى استقرت فى وسط الساحة الفضاء وأصدرت أصوات الاستغاثة المسجلة فى داخلها ليخرج حشد من الدببة الملونة من كل الطرق المؤدية الى مركز الساحة حيث صوت الدبة البيضاء الصناعية .

التفت الدببة السمراء حول الدبة البيضاء التى توقف مسجل الصوت داخلها فراحوا يتشممون رائحتها  التى لم تحلو لهم وكانت غريبة فانصرفوا عنها لكن شباك الصيادين لم تمكنهم من المغادرة فالتقطت عددا كبيرا من الدببة التى تم حقنها بالمهدئات  ، وتم شحنها على الناقلات  لتأخذ طريقها الى الميناء حتى يتم نقلها الى حدائق المدائن الكبيرة  .. فرّ بعض من الدببة الملونة وعادت الى مخابئها  .. رأت الدبة البيضاء مايحدث ورفضت أن تكون طعما للملونين من الدببة  حتى تمكن الدببة السمراء من تحطيم الدبة الصناعية أمامها فى اليوم الخامس ، ولم يبق أمام الصيادين سوى الدبة البيضاء المتمردة فتم حقنها وتجويعها وزجّ بها الى قلب الساحة  ، وأوسعها الصيادون ضربا فأصدرت أصوات الاستغاثة من شدة الضرب فأسرع الصيادون الى الاختباء ، وجاء الدببة الملونون والتفوا حول البيضاء وسال ريقهم لكن سرعان ماأفاقوا الى أنفسهم وأرادوا أن يتأكدوا من حقيقة جنس البيضاء فانهال الجميع ينهش جسد البيضاء فتزيد من استغاثتها حتى سقطت ميتة بعدما تسببت فى الايقاع بعشرين من الدببة الملونة ، وفقد الصيادون الدبة  البيضاء المتمردة .

   

قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 


الرايه

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار

الرايه


يمد الصغار أيديهم  بالأرغفة الشمسى والقرص الى بشير فهمى كى يحصل كل منهم على بعض من الراية المملحة الملفوفة فى أحضان الورق الاصفر .

يقف بشير فهمى صغيرا لم يتجاوز الثامنة عند ملتقى المقابر فى صباح يوم عيد الفطر  المبارك حيث يعشق الصغار الملوحة بعد صيام دام ثلاثين يوما .

يرش بشير قليلا من ماء الملوحة على سمك الراية الصغير الذى أمامه فى قلب الصفيحة الكبيرة حتى تروق لعيون الصغار المتزاحمين حوله يكررون :  برغيف رايه .. بقرصه .. بكعكه .. ببرتقاله .. ببعض التمر .

يسرع بشير الى لف اللفائف فيفرح الصغار بافطارهم المنفصل بعيدا عن أسرهم الى جوار شواهد مقابر قبلى الواحة ، ويحصد بشير فى يوم العيد مقابل سبع صفائح يضعه فى الجوالين اللذين بجانبه حتى يمتلئان وتفرغ الصفائح ليسد احتياجات فهمى عثمان والده المريض بالربو من كثرة تعاطيه للتبغ المعسل القص الساخن ، وأمه نعمة الله حفظى لمدة شهرين وعشرة أيام الى أن يأتى عيد الأضحى المبارك ليأتى بصفائحه السبعة التى يملكها فهمى عثمان مليئة بسمك الراية المملح ليبيعها فتسد حاجتهم لمدة شهرين آخرين وعشرة أيام ليبدأ بشير فى خروجه الدائم بعد ذلك حاملا صفيحة واحدة أيام الجمع والآحاد حين يطلع الأحياء على موتاهم ترحما ، ولايبيع بشير فى هذه الأيام الا القليل من الراية المملحة حتى أن الصفيحة الواحدة تباع على مدى ثلاثة أسابيع فيقل جهد نعمة الله حفظى فى التمليح وفهمى عثمان فى لحم الصفائح ، ولاينزل بشير بحر الواحة المتصل بالبحر المالح الكبير  الا ليوم واحد بينما ينزل قبل الاعياد أيام السبت والاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس ليصطاد سمك الراية ببطن جلباب أمه القديم ، وتسرع نعمة الله الى وضعه طبقات فوق بعضها يفصل بينها الملح الكثير وقليل من البقايا لتعجل من تسويته ، ويقوم فهمى عثمان بتسخين مكواته الحديد على نيران الكانون الحجرى حتى تتحول الى اللون الاحمر فيضع ماء النار على أطراف غطاء الصفيحة ويحكم اللحام ، وحين يفرغ من صفائح بشير يتجه الى مخزن تجار الملوحة الكبير - ومازال يسعل بقوة - ويبدأ فى لحم الصفائح لتخزن ويتم توزيعها على اسواق الحضرالذى يحب السمك المملح .

برغيف رايه .. بقرصه .. بكعكه .. ثم تختفى أصوات الصغار ايذانا برحيل النساء والصغار عن المقابر لتحمل نعمة الله حفظى جوالا من خير ربنا ، ويحمل بشير الجوال الثانى ويسبق أمه الى المنزل ليستحم ويرتدى جلبابه الجديد كى يلحق بالمراجيح التى تعلو به فى أجواء الفضاء ثم تهبط به الى الأرض مع اقتراب رحيل الشمس ، وليستمع  الى شاعر الربابة ومازالت رائحته تفوح بماء ملوحة سمك الرايه .

قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


 


البركه

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار

البركه


تفجرت العيون فى قلب الدروب فتجرد الصغار من ملابسهم كى يسبحون للعبور من الجانب الأيمن الى الأيسر بعرض ثلاثة أمتار وعمق المتر ونصف .

يحمل كل صغير ملابسه بيده اليسرى ويرفعها فى الهواء ، ويضرب وجه الماء باليمنى والقدمين فيندفع الى الأمام كل حسب قوته .

يعود طلاب كتاتيب جزره  فيحملون حقائبهم التيلية الممتلئة بالكتب والكراريس لتمتلىء بالملابس الداخلية والخارجية والأحذية ويبعدونها عن سطح الماء ويواصلون السباحة باليد اليمنى فهى الاقوى دائما  حتى يصل كل منهم الى السلالم  الحصوية المرملة التى لايغطيها الماء فيتعلقون بالظاهر منها حتى يصعدون الى وجه الارض التى هجرها كل السكان  الى المخيمات حتى تبلع عيون أرض الدروب ماءها .

لزمت السيدات وبنات البنوت المخيمات لعدم المامهن بفن السباحة وفكرن كثيرا فى استخدام الطوافات المصنوعة من جلود الابل لتعينهم على التنقل من والى الأسواق حتى لايمل الرجال من صراعهم الدائم فى مسابقة السباحة لأربع أوخمس مرات يوميا ذهابا وأيابا من العمل واختراقا للأسواق تلبية للطلبات .

أسرع الشيوخ الى خيم المسنين واعتزلوا الابناء والاحفاد الذين انقطع بهم الاتصال لتخلل المياه كل شرايين وأوردة المناطق وعجزت القوارب الصغيرة عن قطع المسافة الكبيرة بين المنطقة وخيم المسنين .

تداخلت مياه الشرب ومياه البقايا ليشرب السكان الماء الجارى ، وجلس هواة الصيد يمسكون بسنانيرهم على الشاطئين ليلتقطوا أسماكهم الصغيره التى لاتأتى مطلقا . .

مرّ شيخان كبيران عابرا سبيل بالدرب الطويل فانزلقت أقدامهما الى وسط البركة لتبتلعهما واحدة من الحفر التى لم يسدها عمال الحفر ,

لم تفلح محاولات ابناء الواحة فى انتشال جثتى الشيخ عويس الزغباوى الماوردى وزوجته زاهيه ، وابتلعت حفرة ثانية من بين الحفر كمال ونبويه ابنى شحاته غزال القهوجى .

كلّف ابناء الشيخ عويس افوكاتو ليرفع قضية لأبيهم وأخرى لأمهم ضد الجهات المعنيه ، وانضم اليهم شحاته مطالبا بالتعويض عن صغيريه .

بلغ اجمالى القضايا المرفوعه ضد الدوائر المعنية أربعا وعشرين قضيه فشكلّت الدوائر هيئة للدفاع وخصصت خمسة من المحامين للرد على الخصوم فى كل قضية حتى تمكن المائة والعشرون محاميا من كسب القضايا وطالبوا ابناء الشيخ عويس وشحاته بأتعاب المحامين أو الحكم بالحبس فى حالة عدم القدرة على السداد .

بحثت أقدام شحات وابناء الشيخ عويس عن الحفر الأربع الأخرى وانزلقوا فى قلبها لتغطيهم المياه المتدفقة من عين مياه الشرب ومجرى مياه الفضلات ، وطمست كل معالمهم مياه البركه .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com




 


الرماديون

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار


الرماديون

يستقر الدرب الرمادى فى وسط الواحة  الكبيرة ويقسمها الى النصفين النصف البحرى والنصف القبلى .. يتشح النصف البحرى برقة طبع أهله وليونة لهجتهم التى تميل بشدة حتى تصل الى سطح البحر الكبير ..

ينزع اهل النصف الآخر الى الشدة فى الطباع وسوء السلوك الذى يميل الى العدوانية كلما اقتربوا من أشعة الشمس الحارقة مما أدى الى عدم اهتمام المسؤولين وانصرافهم عن أهل النصف القبلى الذين يملكون عيون الماء التى تروى كل الواحات  بدون مقابل ، ويسيطر الفقر على اهل الجنوب مع البشرة القاتمة على اجساد ابنائهم  .

ينعم ابناء الشمال بنسائم البحر الكبير والطمى الذى يحمل الخير الكثير الذى ينتج أكثر من غلة واحدة فى الموسم الواحد من مواسم السنة الاربعة فتبتهج بشرة المزارعين ، ويلّون أحمر الدم وجنات الفتيات الشديدة البياض .. تمضى فصول ثلاثة من السنة ويأتى الشتاء قاسيا فيغطى المناطق الشمالية بالجليد الذى يصيب كل  شيىء بالسكون فتفقد الكائنات حيويتها لمدة ثلاثة شهور  ، قد تصل فى بعض السنين الى خمسة حتى يجيىء الربيع ليعيد الجمال الذى تتسم به المناطق لكنه لايقوى على تغيير اى ملمح من ملامح الجنوب العنيد فيفر الكثير من ابنائه الى الدرب الرمادى فى منتصف الواحة الكبيرة ليلتقون بالمنبوذين من ابناء الشمال الذين ملّوا ليونة حياتهم ويسعون الى الخشونة فتجد الفتيات ماتبحثن عنه .

ينسجم الرماديون من أهل الشمال والجنوب وتطيب لهم الاقامة بين المنطقتين . يبدأ الدرب الرمادى فى الاتساع ليحتل بعد سنوات قليلة خمسا جديدا من الشمال وخمسا آخر من الجنوب ، وتتوافد اليه فى مواسم الشتاء جماعات الراغبين فى الاكتساء باللون الرمادى غير المحدد والتائه بين الابيض والاسمر .

يتزاوج القادمون من الجنوب بالقادمات من الشمال فيصبح لابنائهم أخوالا بلون الثلج وأعماما بلون الليل فيقضون مواسم الصيف لدى أخوالهم ومواسم الشتاء عند أعمامهم ويقيمون فى الربيع والخريف بالدرب الرمادى الذى أذاب الحدود بين النصفين وصبغ طباع اهل الجنوب بالنعومة وكسا ابناء الشمال خشونة ليلتقى الاثنان فى منتصف الواحة الكبيرة ويتلونون باللون الرمادى .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com

 

 


الشحم اللذيذ

من شارع الجمهوريه اول فيصل

فى زمن الكورونا والالعاب الناريه والمخدرات ليل نهار


الشحم اللذيذ

تتدلى الالسنة المحمرة الطويلة حتى توشك ان تلامس الارض من شدة العطش والجوع .. ينتظر الحراس موعد الغذاء بعد ثلاثة أيام من التجويع التام .. تقترب اشعة الشمس المتسلله مستقرة على الحائط الكبير فتتعلق العيون بها ، وحين تختفى يفتح الحراس الابواب  فتنطلق الكلاب المدربة كالمسعورة تفتش فى السراديب الملتوية عن الطعام والشراب .

تنهى الكلاب عملية بحثها الشاق بعد خمسة عشر دقيقة عبر عشرين كيلومترا من السراديب التى يؤدى كل منها الى الآخر فى دوائر لامتناهيه توهم الداخل بقرب نهايتها البعيدة ولاتأتى الابحاسة الشم القوية لدى الكلاب المدربة .

تتزاحم الكلاب حول دائرة اللحوم المستوية المطلية بالشحم  ثم تشيح بوجوهها وتتراجع حتى توشك على الانصراف فيمزق الجوع جدران امعائهم ليعاودوا شم الشحم ويلعقونه حتى يكشف عن اللحم اللذيذ الذى يعشقونه .

ينفض جمع الاقوياء بعد الشبع ليحل محلهم الاقل قوة حتى يشبع الجميع ، ومازالت الالسنة الحمراء الطويلة تتدلى فتلامس الارض من شدة العطش .. تهتز الآذان المدربة بمجرد سماعها تساقط نقط الماء فى الحوض فتسرى الدماء فى عروقهم ويستعيدوا قواهم ويبدأون رحلة البحث فى سراديب التيه الملتوية لمدة نصف الساعة حتى يهتدى واحد من المائة الى المكان فيظل ينبح حتى يدل الآخرين الذين يسارعون الى مكانه .

يرتشف الكلب الاخير آخر نقطة ماء بالحوض ويركن الجميع الى الجدران الرطبة ليناموا ويستيقظون قبل منتصف الليل بساعتين فلايجدوا الاكل أو الشرب ، ويمر اليوم الاول والثانى حتى يقترب موعد انحسار اشعة الشمس قبل مغيب  شمس اليوم الثالث فتسرى الهمهمات فى السماعات المنتشرة بطول السراديب فتتنبه الاجساد النائمة ، تلاشى الاشعة تنطلق الكلاب الى الشحم اللذيذ الذى أدمنته وتطيل لعقه ليكشف عن اللحم المشوى أوالمسلوق والذى لم يعد يغريها ثم ترتوى بالماء الصافى .

تمر الايام الثلاثة التالية ليأتى الرابع فيفاجىء الكلاب أجساد البشر المدهونة بالشحم اللذيذ فيستغربون المشهد ولايقتربون الامع سياط الحراس التى تلهب اجسادهم ليتعاملوا مع المارقين وقطاع الطريق نزلاء الانفاق الغربية فى الواحة الكبرى  .. تنطلق صرخات النزلاء هلعا من لعق الالسنة الحمراء الطويلة للشحم الذى يغطى كل جزء من اجزاء الجسم  العارى .. تتشمم الكلاب اللحوم غير المستوية فتبعد عنها وتكتفى بالشحم اللذيذ والماء الصافى .

ينتظم الحراس فى فتح السماعات ودق جرس انحسار اشعة الشمس  كل يوم فتنطلق صرخات النزلاء وتستمتع الكلاب بالشحم اللذيذ ، وذات يوم لم تكتفى الكلاب بالشحم وأطلقت أنيابها لتنهش أجساد النزلاء ليرحل معظمهم بالسكتة القلبية قبل التمزيق ورحل  الباقى بالتمزيق .

اصيبت الكلاب بالتخمة ولم تستطع التقاط أنفاسها فماتت بعد خمسة أيام ، وأقلع المارقون وقطاع الطريق عن الاقامة بالانفاق الغربية لبعدهم عن الاسباب التى تؤدى الى الشحم اللذيذ الذى ستدمنه الاجيال الجديدة من الكلاب المدربة .

قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com