الموائد
ينتظر عوف عبد
المهيمن بأحر من الجمر قدوم شهر رمضان
المعظم لأنه سيتمكن من الافطار والسحور الكامل الدسم يوميا على مائدة أحد المحسنين
الذين قرروا أن يفطّروا ويسحّروا يوميا مالايقل عن أربعمائة شخص ككفاره .
يقف عوف أمام
السرادق وهو يقام عمودا عمودا ، ويتم وصلهم بقطع من الخيامية المزركشة بالاقمشة
الملونة المخصصة للزفاف والوفيات والطهور احيانا .. يرص عمال محل الفراشة عدد
أربعمائة مقعد خشبى متين خشية سقوط أحد الصائمين أوالصائمات لثقل وزنه وخاصة فى
الايام الاخيرة من الشهر الكريم .
جلس عوف على
الرصيف بجوار الخيمة التى احتلت ثلثى الشارع ينتظر الفراغ من نصب السرادق الذى
سيستقبل أول سحور فى الشهر المبارك .. هبت رائحة بخار ماء تسوية اللحم لتصل الى
جذور أنوف الجالسين فوق الرصيف فيتمايلوا طربا من شدة العشق .. تدخل عشرات الاطباق
من العيش المميز الذى لايرى الا على موائد كبار المحسنين فتطير عقول الضعفاء من
الجالسين على الرصيف ويزداد تمايلهم على صوت أحمد البغدادى العالى دائما : وحدوه
.. فيعقب كل الجالسين : لااله الا الله محمد رسول الله .
يسّر عوف الى نفسه
: ثلاثون ليلة ستبدأ أولاهن الليلة .. سينتظر المتسحرون حتى يلحق كل منهم مقعده
وسيجلس المتبقى خارج الاربعمائة مقعد خارج السرادق على الرصيف ولن يضار أحد طالما
سيأكل وجباته الشهية .. تنتظر عشرات الاسر
الموائد بفارغ الشوق .. يجهزون أولادهم لرؤية ليلة الرؤيا التى يحتشد فيها ابناء كل
المهن المختلفة ومريدوا الطرق الصوفية المختلفة ويجوبون الشوارع احتفالا بقدوم
الشهر الكريم .. تفرغ الاسر والاولاد من مشاهدة مظاهر الاحتفال وينتظروا طوال
الليل حتى يلحقوا مقاعدهم فى السرادق ليدعوا للمحسنين الذين أتاحوا لهم هذه الفرصة
.
تخرج عينا عوف عبد
المهيمن على المكسرات التى يحملها الرجال لتدخل الى مخزن التكية .. تتبعها رائحة
المشمش المنبعث من لفات قمر الدين والتمر النادر الوجود القادم من الواحات
الكبيرة .. يسرى ريق عوف عبد المهيمن
درويش الطاهر الفاقد للذاكرة منذ زمن لايعرف مداه أحد فلايعرف أحد من أى قرية أو
مدينة جاء عوف ، ولايعرف قريب أوبعيد الصلة بابن عبد المهيمن فمنذ عشر سنوات وهو
يجلس الى جوار مسجد الطاهر وأصبح من محاسيبه .
يفرغ عمال الفراشة
من عملهم فينطلق المحاسيب الى الداخل يتزاحمون .. يحاول عوف عبد المهيمن أن يمر
بين مئات المتسابقين الى الداخل .. يصده الزحام فيقتلع عامودا خشبيا ويسقط على أم
رأس عوف الذى يستعيد ذاكرته ويلفظ أنفاسه الاخيرة على موائد الرحمن .
قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى
عضو اتحاد الكتّاب
عضو نقابة المهن السينمائيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق