القطار
يستيقظ الرجل المعصوب العينين فلايرى الا الظلام المحيط به من
كل جانب .. يحاول الرجل الوقوف فى مكانه فيصطدم بالاجساد المتخبط بعضها فى بعض ..
يخترق الرجل الكتل البشرية المتلاحمة حتى يواجه الجدران الحديدية الصماء .. يضع
يديه يتحسس أبعادها فتلسعه نيران أشعة الشمس المختزنة داخل الصندوق الحديدى الكبير
فيتراجع الى الخلف ليدفعه الاخرون فيلتصق ثانية بالجدار الحديدى الذى يشوى وجهه ..
يتقهقر دافعا بقوته المتبقية الاجساد خلفه .. ينأوه الجميع ولاينطق احدهم بكلمة
حتى يتبين المكان والزمان والحدث .
المكان . . صندوق اسود
كبير لم يتمكن واحد من المعصوبى العيون تحديد طوله أوعرضه أوحتى عمقه بسبب الزحام
الشديد .. تبدأ حركة الصندوق .. نرك .. ترك .. ترك .. يخرج من مخزنه .. ترك .. تس
.. يقف فى الميدان الكبير الذى يتعرف عليه معصوبوا العيون من خلال آذانهم التى
تاهت وسط طوفان الاصوات البشرية المتزاحمة ، وآلات تنبيه السيارات التى لاتصمت .
الزمان. . طول الزمان
.. ترك .. ترك .. ترك .. تبدأ الرحلة
..تصطدم الاطارات بالقضبان الحديدية لتتحرك الصناديق الحديدية الى الامام
والاجساد الى الخلف فى قلبه من شدة الانطلاق .. يعود الرجل الأول من المعصوبى
العيون الى اغماءته ليطفو الى ذاكرته سبب
سقوطه فى بطن الصندوق الاسود عاشق الترحال الى الجنوب .
الحدث .. تمرد الرجل الاول على حاله من حيث السكون الى الحركة
، وحذرته الزوجة من العواقب الوخيمة لهذه الفعلة الشنعاء لكنه لم يستمع وجاوز
الحدود المرسومة له فأخذ أول خطوة من
خطوات الحركة الى اللاشىء فقرر مسؤولوا السكون نفيه الى واحتهم البعيدة التى
لايسمح فيها باصدار أى صوت من أصوات الكائنات الحية .
تس .. ترك .. ترك .. ترك .. يواصل الصندوق انطلاقته تجاه
الجنوب فيستيقظ الرجل الأول ليتعرف على الرجل الثانى الملتصق كتفه بكتفه ويوقفه على سر وجوده الى
جواره فى هذا المكان فيرى نفس سبب وجوده فى العصابة السوداء المحكمة الرباط فوق
عينيه .
يرتطم القطار الاسود
بسيارة نقل تعبر المزلقان فتقشعر أبدان معصوبى العيون وتهتز من شدة الارتطام
فيتوقفون عن رسم غابة ثرثرتهم التى ملأت أرجاء المكان ، ويسود الصمت حتى تتم ازالة
آثارحطام السيارة من طريق الصناديق السوداء ويعاود القطار سيره .
تستعيد أصوات المعصوبى العيون تماسكها فيواصلوا حفلة تعارفهم
وتعلو الاصوات لتمتزج بالصوت الاعلى .. ترك .. ترك .. نرك .. تمر الساعات فينال الارهاق من الألسنة التى
تعود الى السكون .. ترك .. ترك .. ترك .. تس ..
يسير القطار الاسود الف كيلوا حتى يتوقف ليفتح أبوابه فى منتصف الليل فيتم نقل المعصوبى العيون الى صناديق السيارات
المحكمة الاغلاق والمدهونة باللون الاسود من الداخل حتى لايشعر معصوبوا العيون
بالاغتراب اثناء نقلهم الى واحة المسؤولين الصماء البعيدة .
ترك .. ترك .. ترك ..
يتجه القطار الاسود بصناديقه الكثيرة الى الشمال ليأتى بنزلاء الواحة الجدد
، ويواصل رحلاته .
قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى
عضو اتحاد الكتّاب
عضو نقابة المهن السينمائيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق