ياجريد النخل العالى
يثمر نخيل منطقة أم الشواشى العالية
بعد فترة طويلة من الانقطاع دامت لأربع سنوات فغطى اللون الأخضر القلوب لتطير فرحا
وتردد الالسنة : ياجريد النخل العالى ميل وارمى السلام .. داعبت الرياح شواشى
النخيل فرقصت على أنغام تلاطم أمواج البحر الكبير وصفق التمر الرامخ ليتساقط
فتلتقطه أيدى الصبية الصغار قبل أن يصل الى الارض .. يلتهمونه ويطيلون النظر الى أعلى مترقبين المزيد .
تزيد سرعة هبوب الرياح فتنثنى النخيل
حتى لاتنكسر وتقبل شواشيها أسطح المنازل ملقية السلام على أرض أم الشواشى وأهلها
وتعود الى وضعها واقفة كما العهد بها منذ عشرين عاما وقت مجىء فارس الملاحق ابن
ليل الجبل الغربى الذى ملّ من الاقامة فى الكهوف وقطع الطريق على المارة من
المسافرين الى الشمال والجنوب .
سقطت أحكام عدة من على فارس الملاحق
فقرر أن ينزل الى واحة من الواحات الخالية من السكان لينشىء أسرة جديدة لايعرفه
فيها أحد ، وقاطع رجاله من المطاريد وتركهم ذات ليلة وهم نائمون فلما استيقظوا
فطنوا الى عدم وجود كبيرهم وطال انتظارهم كثيرا حتى عقدوا العزم على اختيار كبير
لهم من بينهم بعد عام من رحيل فارس .
كانت رحلة فارس ملاحق طويلة حتى تعب
حصانه من كثرة الجرى والتعثر فى الحجارة
الصغيرة التى اعترضته فى الليل الطويل فأشفق فارس على الحصان ونزل عنه لينزع لجامه
ويبعد السرج عن ظهره ويتركه لينام ويتمدد الى جواره أسفل نخلة شابة .
استيقظ فارس وحصانه بعد أيام عدة من
شدة الارهاق فاندهش لوجود عين ماء لم يرها من قبل فى هذه المنطقة وانبتت حولها
ألفا من النخيل الطويل غزير الشواشى فأطلق فارس على المنطقة اسم أم الشواشى وجاء
برجال من بنى ملاحق أهله وتزاو جوا من المناطق المجاورة واقتطع كل منهم أرضا
للسكنى يتوسطها مجموعة من النخيل ، فكان نصيب كل منهم عشرين نخلة والأرض التى
عليها .
تقسو الرياح على النخيل فتصرخ جذوعها
من ضرب سياط الريح لها وتنصاع للأمر فتميل حتى لاتنكسر .. ينخلع قلب فارس ملاحق
على وطنه الجديد الذى كان يثمر كلما هبت عليه الرياح حتى أقلع عن الاثمار منذ
الأربعة أعوام الماضية حتى جاء عزون ملاحق فى زيارة لابن عمه فارس وعلمه التلقيح
حين احتضن اناث النخيل وصعد حتى وصل الى رؤوسها وترك فى بطن كل واحدة منهن حفنة
لتثمر بعد ذلك ويفرح كل ابناء منطقة أم الشواشى بما ينتظرهم من خير وفير عقب بيعهم لتمر نخيل أم الشواشى
الذائع الصيت لشدة حلاوته والذى وجد له أسواقا كثيرة فى كل المدائن المجاورة من أول مرة حمل فيها فارس ملاحق التمر
على ظهر حصانه وباعه فى لمح البصر وعاد محملا بالهدايا لزوجته وأولاده الصغار .
يغنى الصغار والكبار : ياجريد النخل
العالى ميل وارمى السلام .. تميل النخيل من شدة الرياح وتلقى السلام فتسقط تمرا
أخضرا يلتهمه الصغار فتحذرهم العجائز من الحمى التى تركب كل من تسول له نفسه أكل
التمر أخضرا فيترك الصغار التمر حتى يستوى ويتلون بالاحمر والاصفر الذهبى .
تغرورق عيون فارس وتمتلىء بالدموع
لألم النخيل التى تقاسيه من شدة هبوب رياح الخماسين فى هذا العام .. لقد كبرت
النخيل وضعفت مقاومتها للريح الشديدة فى يومها الثالث محملة بالرمال القادمة من
الصحراء المجاورة حتى امتلأت بها المنازل وعجزت النساء عن ازالتها .
يحتمى الصغار والكبار بالمنازل
الطينية كلما اشتدت الرياح .. يوقد عسال ملاحق نارا ليصنع شايا للضوف القادمين
اليه من الوطن القديم فتعلوا السنة نيران الكانون لتلامس شواشى النخيل وتسرى فى
الألف نخلة والمنازل التى أسفلها .. يفر كل ابناء أم الشواشى بعيدا ليقفوا على
بداية الصحراء الكبيرة وهم عاجزون عن الوصول الى عين الماء التى سدتها جدران المنازل
المنهارة .
تجمع الكل حول كبيرهم فارس ملاحق الذى
أخذ يدندن : ياجريد النخل العالى ميل وارمى السلام .. يكرر الواقفون الدندنه ..
يبدأ فارس ملاحق بحثه من جديد عن عين جديده ليزرع حولها النخيل الذى سيطعم خمسة آلاف فم تردد كلمات الاغنية القديمة الجديدة : ياجريد
النخل العالى ميل وارمى السلام .
قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى
عضو اتحاد الكتّاب
عضو نقابة المهن السينمائيه
كبير مخرجين مدير عام بقطاع
التليفزيون المصرى
باتحاد الاذاعة والتليفزيون
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق