(280)
======
مشرشر
===========
تتبقى دائرة مشرشرة الأسنة تعلو فوهة زجاجة المصباح بطول ثلاثة سنتيمترات ، تحافظ على شعلة الزيت من مداعبة تيار هواء الخيمة .
تتزايد ألسنة عادم اللهب الزيتى فترسم بالأسود على سطح الزجاج الداخلى كتابا مفتوحا بين يدىّ شريف زيد الصبى الذى لم يتجاوز الثامنة من عمره يلتهم صفحاته بعينيه الصغيرتين المفتوحتين عن آخرهما لتعينه على فصل حروف الكلمات مع خفوت ضوء الشعلة لتناقص حجم الزيت فى قاع المصباح .
يعلو صوت بكاء فؤاد الرضيع أصغر ابناء زيد الغنامى الثمانية فيغلق شريف الكتاب ويطرحه على الحاوية الجريديه التى يعلوها المصباح مستقرا فى المنتصف ، ويحاول تهدئة أخيه ليسترضى أمه سعديه الغيوطى التى قررت أن يواصل شريف قراءة دروسه على ضوء الزجاج الذى كسره وهو يلهو مع أخته منيره التى تصغر أخيه سيد الذى يصغره .
تمنع سعديه الابن من الخروج فى هذه الليلة من الخيمة الى الدرب لينعم مع زملائه كل ابناء الخيام المجاورة بالمذاكرة تحت ضوء القمر.. ترى سعديه شريف وهو يهدهد أخاه الصغير فؤاد فلا تلق بالا .. يعود شريف الى الكتاب يكمل المذاكرة .
تلقى بهيرة ذات العامين ونوال بنت الثلاث سنوات الحرام الصوف الذى يغطى نصفه السبعة أخوة والنصف الثانى أسفلهم يصافح وجه الأرض ، كان زيد الغنامى قد غزله بمغزله اليدوى من صوف الخراف التى يجزها ولايحتاجها أصحابها الذين يستأجرونه لرعى الأغنام .
يمسك شريف بطرف نصف الحرام الملقى ويغطى أخوته ، ومازالت سعديه الغيوطى غير راضية عن ابنها البكرى فيعاود شريف المذاكرة ليداعب النوم عينيه .
تستيقظ لمياء الرابعة فى ترتيب ابناء سعديه الثمانية والتى لم تلتحق بعد بمدرسة حضر ريحانه لتتقافز حول أخيها شريف وهو يغالب النوم حتى يتمكن من انهاء مذاكرة دروسه التى سيمتحن فيها فى الغد فينهرها عن اللعب حوله توشك يده أن تأتى على نهاية الثلاثة سنتيمترات الزجاجية المتبقية من العشرة طول زجاجة المصباح التى كسرها فى أول الليل فتنظر اليه سعديه الأم معاتبة على الوقوع فى الخطأ للمرة الثانية فى نفس الليلة ، وتدير وجهها لتواجه وجه زوجها زيد الغنامى فوق سريرهما الجريدى الملاصق للحرام الصوف فرش الصغار .
يصنع شريف قاربا من الورق ويعطيه لأخته فتنصرف عنه وتضع رأسها الصغير على الحاوية بجوار المصباح فتنام ..تحملها سعديه تضعها فى مكانها بين الصغار ، وتحكم الغطاء الصوف ليلفظ المصباح آخر أنفاسه فتظلم الخيمة فتشفق سعديه على ابنها وتتركه يخرج الى الدرب ليكمل مذاكرته مع ابناء الجيران أسفل ضوء القمر بعد أن يقطع وعدا على نفسه أمام أمه بأن لايكسر زجاج المصباح مرة أخرى ليبقى مشرشرا حتى يتمكن الرجل من شراء زجاج جديد. .
قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى
عضو اتحاد الكتاب
عضو نقابة المهن السينمائيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق