الأحد، 18 يوليو 2021

 عوالم الغجر


147


نار الفرن


من شارع الجمهوريه اول فيصل

بين شارعى شريف وسعودى الصناديلى

زمن الكورونا و الالعاب الناريه والمفرقعات

والمخدرات



نار الفرن


وقف سعيد سعدينى  الغجرى خلف زجاج شرفة بهو شقته الجديده التى اشتراها مؤخرا بالعاصمة الغربية   يحتمى بتكييفها من موجة الحر التى راح ضحيتها العشرات من كبار السن فى دول الجنوب الاوربى .. يطيل سعيد سعدينى  الشرناوى النظر الى الوجوه المحمرّة المثقلة بقنوات العرق المتدفقة لتغرق الملابس ، وهرولة المارة الى داخل المحلات المكيفة هربا من موجة الحر القاتل .. يستدعى سعيد وقوفه لفترات طويلة أمام نار الفرن البلدى التى كان يعمل بها  فى الحضر الملاصق لواحة الصحراء الوسطى منذ قدومه من واحة سنور الى الحضر القديم لالتحاقه بالجامعة .. اكتفى سعدينى  الشرناوى حسين خضر الموظف بدائرة  المشتريات فى واحة سنور بتعليم ابنه سعيد حتى البكالوريا ليكمل تعليم ستة ابناء اصغر من سعيد وبحث لابنه عن وظيفة فى الدائرة  التى يعمل بها لكن سعيد كان يرغب فى مواصلة التعليم فى الجامعة وانتزع من والده الموافقة بصعوبة بعد أن أكد له عدم تكلفته درهما  فى دراسته بعد اليوم وسينزل على اصدقائه الذين يعملون فى فرن الحضر الملاصق للواحة  حتى يوفر لنفسه فرصة عمل يعيش منها ويكمل تعليمه .

انتقلت مشاعر الحنق على الحر القاتل من ابناء العاصمة الغربية  الى سعيد ابن واحة سنور الذى كان لايشعر بالحر فلقد افقدته نار الفرن التى كان يعمل بها هذا الاحساس منذ زمن .. يفرغ سعيد من دراسة يومه الجامعى فى تمام الثالثة ليتوجه الى الفرن ويتسلم الوردية فى الرابعة .. يتجرد من ملابسه الثقيلة حتى لاتؤذى جسده ويقف أمام نار الفرن المتقدة يرص الخبز على السطح عجينا ليستخرجه بعد قليل ناضجا فتتلقفه أيدى زملائه الذين ساعدوه فى العثور على هذا العمل .. يظل سعيد يغنى مواويل الغجر مع اصدقائه طوال الوردية  لتهون عليهم شدة حر نيران الفرن ، ويغادر مع انتصاف ليل الحضر  .. يسرع الى دروسه فى الغرفة التى تضم واحدا وعشرين فردا من غجر خضر بالصحراء الوسطى  ليتناوبوا النوم سبعة سبعة كما يتناوبون العمل .

تبرّم سعيد من وقفته فجاء بمقعد وجلس يراقب المارة من خلف زجاج شقته بالعاصمة الغربية.. مرّ عامان على عمل سعيد فى الفرن فرضخ لوصية زميله ممدوح عبد الراضى وراقب سلوك زملائه فى الكلية ليقدم تقريرا له كل يوم ، وغادر سعيد الفرن الى غير رجعة لكن مرارة خبزه مازالت تلازمه حتى وهو يتهيىء لدراسته العليا فى العاصمة الغربية  .. تزوج سعيد من بنات العاصمة كى يحصل على الاقامة بعد أن قرر أن يهجر الكتابة التى امتهنها فور تخرجه فى الجامعة والتى كانت السبب الحقيقى وراء سفره خارج القطر .

التحق سعيد بمعهد للحاسب الآلى وحقق فيه تفوقا وواصل فيه دراسته العليا الى جوار عمله فى المعهد .. علا صوت مارجريت زوجة سعيد الثانية تدعوه الى الغداء فأخرجته من بحار الذاكرة وأحرقت السيجارة التى كان يدخنها أصابعه فقرر أن يترك مارجريت التى تركت فى يده علامة أخرى تذكره بالنيران المتقدة التى لازمته لمدة عامين على أن يتزوج بثالثة من بنات المدينة تمنحه الاقامة وتنسيبه نار الفرن .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


==============================================================

عوالم الغجر


148

نخيل ليل

من شارع الجمهوريه اول فيصل

بين شارعى شريف وسعودى الصناديلى

زمن الكورونا و الالعاب الناريه والمفرقعات

والمخدرات


نخيل ليل


يعكس سعب النخيل الكثيف لليل واحة غجر التايه  ضوء القمر ليصل الى عيون محبيه فينطلقون وسط الظلام كى يحتل كل منهم مكانه .. يلتف الشباب حول نخيل الليل .. يتزاحمون .. يتدافعون .. يزحزح كل منهم الآخر ليأخذ مكان صاحبه .. يقتربون من جذوع نخيل  الليل المظلمة المنزرعة بامتداد الدروب الطويلة بواحة غجر التايه  تنتظر عشرات الآلاف من العيون اللامعة المخيفة لحظة ميلاد ثمر نخيل الليل الملقح من ذكر نبات البانجو  .. تثمر النخيل مابين التمر ونبات البانجو  فى الربع الأول من الليل .. تستعد الصفوف الأولى للتسلق .. يحتضن اول كل صف جذع النخلة التى أمامه فلاتتمكن زراعاه من احتوائه .. يستخرج الأول أظافره الطويلة ويغرسها فى لحم النخلة  .. يبدأ نقل أظافر اليد اليمنى مع أظافر القدم اليسرى ثم اليسرى مع اليمنى حتى يصل الى بداية الثمار فيخف وزنه كى يتمكن من جنى ثمار نخيل الليل اللزج .. يبدأ الأول فى الالتقاط  ولايتوقف فيسيل ريق الثانى ويتدفق ريق الثالث فى الصف انتظارا لأدوارهم .

تنسدل عيون الأول الشديدة الجحوظ ، ويكف الخبط عن دماغه فيقل انغراس أظافر الأقدام فى لحم الثمر ويثقل الشاب فيتأرجح الجريد  حتى يسقط الثمل من ارتفاع خمسة أمتار فيرتطم بوجه الأرض ايذانا ببداية رحلة الشاب الثانى فى الصف .

يسرع الثالث ليبعد الجسد الساقط على الأرض بعيدا عن الصف حتى لايعرقل تقدمه خطوة فى المسار .. ينظر الثانى الى السباطة  الأولى فلايجد ثمرة واحدة وتلهث عيناه بحثا عن السباطة  الممتلئة .. يواصل الثانى تسلقه حتى يصل الى الهدف .

يدفع الرابع الثالث الذى أمامه ليزيد التصاقه بالجذع فيتوحد وتقل نسبة خفقان القلب وسرعة تدفق الدماء فى الأوردة .

لايقوى الثانى الممتطى ظهر النخلة على ابتلاع نصف الثمار ويهوى الى الأسفل من ارتفاع سبعة أمتار ليحل محله الثالث فى الأعلى ، ويبعد الرابع الجسد الممدد عن الطريق ويتقدم خطوة فيحتل الأخير مكان السابع والتسعين بدلا من المائه .

يبدأ الربع الثالث من الليل فيكثر ثمار نخيل  الليل وتواصل الصفوف الواقفة أمامها تسلق المائة نخلة  ويزيد المتساقطون من العشرة آلاف شاب .

تقترب لحظة الذروة لأثمار نخل  الليل فى الربع الأخير من الليل ولاتقوى السباط  على حمل ثمارها فتساقطها لتتخلخل الصفوف وينطلق نصف الواقفين ليلتهموا  الثمار المغمور بتراب الأرض .. تثقل عيون الواقفين أسفل النخيل  فتسقط عليهم الأجساد المتسلقة وتتكوم الأجساد حتى نهاية الربع الأخير من الليل الذى يؤذن بخلو نخيل  الليل من ثماره فترسل الشمس أول أشعتها لترفع ستار الظلام ويغطى النوم العشرة آلاف جسد فى منتصف الثلث الأخير من قاع الكرة الأرضية التى لاتتوقف عن الدوران لتأتى بالليل ثانية فيثمر نخيل  الليل ولايكف الشباب عن تسلقه.


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


==============================================================



عوالم الغجر


149

واحة أم لالو


من شارع الجمهوريه اول فيصل

بين شارعى شريف وسعودى الصناديلى

زمن الكورونا و الالعاب الناريه والمفرقعات

والمخدرات


واحة أم لالو


الزمان : اربعينيات القرن الماضى.

المكان : قلب الصحراء الوسطى حيث توجد واحة ام لالو الشهيرة والمحيطة بعين عمرين .

تتفرس أم لالو بنت الغجر فى وجوه الانفار الذين سيعملون فى الواحة  هذا اليوم .. يصطف الرجال فى طوابير طويلة ، ويبدى كل الواقفين تماسكهم حتى لاتستبعد ضعيفهم  أم لالو كبيرة خدم واحة الاميره فنادى حرم الامير ملقاش .

ترسل الشمس أشعتها الخافتة باردة من خلف الجبل الشرقى لترسم لونا أصفر على وجوه الانفار الذين يسارعون الى اعماقهم خوفا من عدم اختيار أم لالو لأى منهم .. تشمر أم لالو عن ساقيها حتى لاتصيب القاذورات من روث الابل والاغنام والماعز جلبابها المزركش الناصع الالوان فيسترق كل الواقفين النظر الى السيقان الشمعية الشديدة البياض ويمنى النفس بالعمل داخل الخيمة الكبيرة خيمة سمو الاميرة   فى التنظيف أو فى الحديقة المحيطة به كجناينى لمدة يوم يستمتع فيه بالقرب من الانفاس العطرة لاشهر غوازى  عصرها على الاطلاق والتى اعتزلت المهنة بعد زواجها من المتايتى  تابع سمو الاميره سرا  كى لايفقد منصبه كتابع للأميرة فنادى حرم الامير  ملقاش لصلة القرابة التى بين حورية هانم زوجته ام اولاده  وسمو الاميره فنادى .

اكتفى المتاينى بأن يعلن تعيين أم لالو ككبيرة خدم الواحة والتى لاتقربها الهانم زوجته حتى يقضى المتاينى  أيامه السعيدة المعدودة فى أحضان أم لالو .. يحبس الأنفار أنفاسهم كلما اقتربت كبيرة الخدم من أى منهم فيشتد اصفرار الوجه ويزيد خفقان القلب ويوشك الواقف على السقوط فتستبعده أم لالو .

يلعن المستبعد جينات آبائه وأجداده التى حملت اليه خفقان القلب واصفرار الوجه وينتظر عمله فى الزرائب فى هذا اليوم مكتفيا بشم رائحة روث الابل والماشية لكنه يسر كلما اقتربت منه أم الخير بغلة أم لالو .

تواصل أم لالو جولاتها اليومية فى اختيار الانفار وتوزيعهم على الاعمال التى تتناسب معهم فتتخير أنظف وأقوى عشرين رجلا متماسكا ليعملوا بالقرب منها فى الخيمة الكبيرة  والحديقة المحيطة به ، ثم تخصص مائة فى أقرب عشر فدادين المواجهة  للخيمة الكبيرة  ممن ترتاح الى وجوههم ، أما الوجوه التى لاتروق لها فتعمل فى العشرة فدادين التى فى خلف الخيمة  ، وتوزع خمسمائة رجلا على بقية أرض الواحة والزرايب .

تنهى أم لالو عملها الصباحى وتدخل سريرها قريرة العين ليقوم على خدمتها خمسة من اقوى الشباب المقربين الى قلبها فى قلب واحة سمو الاميرة هنادى و التى اشتهرت فى قلب الصحراء الصغرى  بواحة أم لالو .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


===============================================================


عوالم الغجر


150

ياجريد النخل العالى


من شارع الجمهوريه اول فيصل

بين شارعى شريف وسعودى الصناديلى

زمن الكورونا و الالعاب الناريه والمفرقعات

والمخدرات


ياجريد النخل العالى


يثمر نخيل واحة  أم الشواشى العالية بعد فترة طويلة من الانقطاع دامت أربع سنوات فغطى اللون الأخضر القلوب لتطير فرحا وتردد الالسنة : ياجريد النخل العالى ميل وارمى السلام .. داعبت الرياح شواشى النخيل فرقصت على أنغام تلاطم أمواج بحر الملح  الكبير وصفق التمر الرامخ ليتساقط فتلتقطه أيدى الصبية الصغار قبل أن يصل الى الارض .. يلتهمونه  ويطيلون النظر الى أعلى مترقبين المزيد .

تزيد سرعة هبوب الرياح فتنثنى النخيل حتى لاتنكسر وتقبل شواشيها أسطح الخيام ملقية السلام على رمال  واحة أم الشواشى وأهلها من الغجر وتعود الى وضعها واقفة كما العهد بها منذ عشرين عاما وقت مجىء فارس الملاحق الغجرى ابن ليل التل الغربى الذى ملّ البعد عن الواحة وقطع الطريق على المارة من القوافل المتجهة من الجنوب الى الشمال والعكس.

سقطت أحكام عدة من على فارس الملاحق فقرر أن ينزل الى واحة من الواحات الخالية من السكان لينشىء أسرة جديدة لايعرفه فيها أحد ، وقاطع رجاله من قطاع الطرق  وتركهم ذات ليلة وهم نائمون فلما استيقظوا فطنوا الى عدم وجود كبيرهم وطال انتظارهم كثيرا حتى عقدوا العزم على اختيار كبير لهم من بينهم بعد عام من رحيل فارس .

كانت رحلة فارس ملاحق طويلة حتى تعب حصانه من كثرة الجرى  والتعثر فى الحجارة الصغيرة التى اعترضته فى الليل الطويل فأشفق فارس على الحصان ونزل عنه لينزع لجامه ويبعد السرج عن ظهره ويتركه لينام ويتمدد الى جواره أسفل نخلة شابة .

استيقظ فارس وحصانه بعد أيام عدة من شدة الارهاق فاندهش لوجود عين ماء لم يرها من قبل فى هذه المنطقة انبتت حولها ألفا من النخيل الطويل غزير الشواشى فأطلق فارس على المنطقة اسم أم الشواشى وجاء برجال من بنى ملاحق الغجر أهله وتزاوجوا من الصحراوات  المجاورة واقتطع كل منهم أرضا للسكنى يتوسطها مجموعة من النخيل ، فكان نصيب كل منهم عشرين نخلة والأرض التى عليها .

تقسو الرياح على النخيل فتصرخ جذوعها من ضرب سياط الريح لها وتنصاع للأمر فتميل حتى لاتنكسر .. ينخلع قلب فارس ملاحق على وطنه الجديد الذى كان يثمر كلما هبت عليه الرياح حتى أقلع عن الاثمار منذ الأربعة أعوام الماضية حتى جاء عزون ملاحق فى زيارة لابن عمه فارس وعلمه التلقيح حين احتضن اناث النخيل وصعد حتى وصل الى رؤوسها وترك فى بطن كل واحدة منهن حفنة من طلع ذكور النخيل  لتثمر بعد ذلك ويفرح كل ابناء منطقة أم الشواشى بما ينتظرهم من  خير وفير عقب بيعهم لتمر نخيل أم الشواشى الذائع الصيت لشدة حلاوته والذى وجد له أسواقا كثيرة فى كل الحواضر المجاورة من أول مرة حمل فيها فارس ملاحق التمر على ظهر حصانه وباعه فى لمح البصر وعاد محملا بالهدايا لزوجته وأولاده الصغار .

يغنى الصغار والكبار : ياجريد النخل العالى ميل وارمى السلام .. تميل النخيل من شدة الرياح وتلقى السلام فتسقط تمرا أخضرا يلتهمه الصغار فتحذرهم العجائز من الحمى التى تركب كل من تسول له نفسه أكل التمر أخضرا فيترك الصغار التمر حتى يستوى ويتلون بالاحمر والاصفر الذهبى .

تغرورق عيون فارس وتمتلىء بالدموع لألم النخيل التى تقاسيه من شدة هبوب رياح الخماسين فى هذا العام .. لقد كبرت النخيل وضعفت مقاومتها للريح الشديدة فى يومها الثالث محملة بالرمال القادمة من الصحراء المجاورة حتى امتلأت بها الخيام  وعجزت النساء عن ازالتها .

يحتمى الصغار والكبار بالخيام كلما اشتدت الرياح .. يوقد عسال ملاحق نارا ليصنع شايا للضيوف القادمين اليه من الوطن القديم فتعلوا السنة النيران لتلامس شواشى النخيل وتسرى فى الألف نخلة والخيام  التى أسفلها .. يفر كل ابناء أم الشواشى بعيدا ليقفوا على بداية الصحراء الكبيرة وهم عاجزون عن الوصول الى عين الماء التى غطتها الرمال .

تجمع الكل حول كبيرهم فارس ملاحق الذى أخذ يدندن : ياجريد النخل العالى ميل وارمى السلام .. يكرر الواقفون الدندنه .. يبدأ فارس ملاحق بحثه من جديد عن عين جديده ليزرع حولها  النخيل الذى سيطعم خمسة آلاف  فم تردد كلمات الاغنية القديمة الجديدة : ياجريد النخل العالى ميل وارمى السلام .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه


mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com

===========================================================


عوالم الغجر


151


ليمون زكيه بنت بهيه الغجريه



من شارع الجمهوريه اول فيصل

بين شارعى شريف وسعودى الصناديلى

زمن الكورونا و الالعاب الناريه والمفرقعات

والمخدرات




ليمون زكيه بنت بهيه الغجريه



تجلس زكيه بنت بهيه الغجريه مع فجر كل يوم امام كومة  الليمون بجوار خيمة عيظى نوران السنان المتصدرة خيام الحى

 تنتظر اول فوج من النساء يملأن قربهن من عين الواحة الصغرى

 ، .. وفى رحلة العودة الى الخيام  تشترين ليمون ذكيه بنت بهية الغجرية القادم اليها من اشجار ليمون النبع الكبير بالواحة الصغرى  ، وعلى اساسه يبنون وجبات يومهم ،ويتسوقن بعد ذلك  فمنهن من تشترين  اللحم بكميات محدودة  ومنهن من تشترين العظام من الجزارين بعد ان يجردونها من بقايا اللحم العالق بها فيكون يوم الصغار يوم عيد حيث سيشبعون من اكل الثريد الغارق فى دسم نخاع العظام بجوار اى خضار يروق للأم  فيحمدون ربهم ويتجهون الى نومهم ،، ومنهن من لاتملك الاشراء بعض اعواد الملوخيه لتصنع منها البعكيكه  بعد خرط الملوخية الخضراء وخلطها بالتوابل والماء وليمون زكيه دون تسويته على النيران فيكون طبقا شهيا للصغار يمدهم بطاقة منقطعة النظير .

 .. ينطلقون بعدها الى الربوة المجاورة للحى

 .. يلعبون حتى يسقطون من الاعياء فيعودون الى الخيام  للنوم

تواصل زكيه بيعها لليمون .. ينظر عيسى الجزار الى عينيها التى تكاد ان تجاوز وجهها على ذبائحه المعلقة..يملأ كفيه بالعظام حامل بقايا اللحم ويهبه لزكيه مقابل ليمونتين فتخبىء زكية لفة العظام اسفل الليمون بعيدا عن عيون الحاسدين من اولاد الغجر ، وتتجه الى عوضين الخضرى فتأخذ بعض حبات الطماطم والبطاطس مقابل خمس ليمونات لتصنع طاجن بطاطس يشبع بناتها الخمس اللائى فقدن اباهم فى دوامة رمال الخماسين منذ عشرة أعوام. 

وكفلتهن زكيه لتكون الاب والام 

  ..لايراود اى من شباب الحى او شباب الغجر التفكير فى  الارتباط ببنات زكية لضيق ذات يدها وفقرها  الملازم حتى فقدن الامل فى الارتباط ولازمن زكيه وخدمة منازل الشيوخ  ليتجاوزن حد الفقر الذى تركه لهم بلال الغجرى اشهر بائع ليمون فى المنطقة القبليه ، وورثت زكيه مهنته لتعينها على العيش والصرف على البنات.

تعاود زكيه سيرتها اليومية .. تستيقظ فى الربع الاخير من الليل .. تنتظر امام الخيمة حصتها من ليمون شجر النبع ، وتأخذ مكان زوجها القديم ، وتحلم بزواج بناتها حتى من اولاد الغجر لتحمل صغارهن قبل ان تغادر الحياة.

تململت زكيه  امام كومة ليمونها فى يوم ربيعى ، وضاق صدرها لتعجز عن التقاط نفسها الاخير فالتصقت بالرمال مفتوحة العينين

لترحل ويحتل بناتها مكانها امام كومة الليمون .


 .

 ..  قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى 

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه

mahmoudhassanfarghaly@gmail.com


==============================================================



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق