عوالم الغجر
63
انهيار السقف
من شارع الجمهوريه اول فيصل
بين شارعى شريف وسعودى الصناديلى
زمن الكورونا و الالعاب الناريه والمفرقعات
والمخدرات
انهيار السقف
استلقى مؤمن عبد البر رديسى على سريره الجريدى القديم وظل ينظر الى سقف خيمته القماش الموصول يتابع اتساع الشقوق حول العرق الوحيد الذى يحمله منذ جاء به والده الى هذه الحياة ورحل ليتركه وحيدا بعد وفاة امه وهو فى سن السادسة عشر .
كدّس الجيران أكواما من الكراكيب القديمه خلف خيمته الوحيدة المتما سكة بين خيم الحى والتى كانوا يحسدونه عليها .
أخرج أول قطع لسانه فظل مؤمن مستلقيا على ظهره ولم يعبأ من سخريته وأدار عينيه ليغمضها على رحلته اليوميه التى ارهقته من والى معهد الحضر الذى يدرس فيه متوكئا على معاش ابيه عبد البر رديسى الساعى البسيط بدائرة النفايات بحضر مورو والذى حار فى سد بعض احتياجاته من مأكل ومشرب وملبس ومواصلات وايجار خيمة حتى أشفق عليه عميد المعهد فصرف له الكتب من رعاية شئون الطلاب بالمجان بعد أن أطال النظر فى عينيه .
تساقطت حبات المطر من الشق الثانى فلم يعرها مؤمن أدنى انتباه وجاء بجاكيت بدلة عرس ابيه الصفراء التى استلمها من المصلحة وأخذ يرتقه ليحميه من برد الشتاء القارس وعاد الى استرخائه اسفل لحاف عبد البر رديسى الذى لم يمنعه من جليد هذا العام الذى حل بحى تل تلايتيه ليحتمى أهله بنيران مواقد الاخشاب .
ينتظر مؤمن طلعة بسمه بنت فكيهه الشرباتى على باب خيمته تدعوه الى العشاء والجلوس معهم حول الموقد الفخار المليئ بالفحم نزولا على رغبة فكيهة بائعة لبن النوق آملة فى ارتباط مؤمن ببسمه وسيلبى مؤمن الدعوة وتظل فكيهة تحاصره وتقرّب له كل بعيد مقدمة كل التنازلات عن حقوق ابنتها كعروس حاصلة على دبلوم تجاره من متوسطة حضر مورو، وستكتفى بالاقامة معه فى خيمة المرحوم عبد البر رديسى وهنومه سراج الغاليين عليها وستكتفى ايضا بتجديد بعض الاثاث لكنه اصبح غير قادر على الزواج ومنذ تيقنت فكيهه من هذا لم تدعه مرة واحدة على العشاء ومازال مؤمن ينتظر .
يمسك مؤمن بفستان امه القديم .. يجفف ماء مطر الامس من الشق الثالث الذى جاوز النصف متر .. يزيح عطا خليل باب الخيمة ويلقى باللحمة المفرومة تموين الغد الى جانب السرير ويسبق مؤمن فى الاختباء أسفل اللحاف العتيق وهو يلتهم سندوتشا من الاثنين اللذين لم يبعهما وعاد بهما بعدما أغلق فرش السندويتشات الذى يقف معه عليها مؤمن الذى سقط بدوره على جسده لينتزع السندوتش المتبقى من بين فكيه .
يواصل مؤمن النظر الى السقف تحت ضوء الكلوب الذى قارب كيروسينه على النفاذ .. قرر مؤمن أن يعالج الشق الرابع الاكثر اتساعا بحشوه عندما يقوم من مرضه فى الغد ليلحق أجر يوم من ايام الاسبوع وحتى لايستبدله حنفى سليم صاحب فرش السندوتشات بشخص آخر .
علا شخير عطا ابن خليل شلبى فرّاش مدرسة البنات النموذجية بالحضر الذى ترك خيمة ابيه المزدحمة بالسبعة أخوه والام واقام مع صديقه مؤمن منذ عشر سنوات عقب وفاة عبد البر رديسى ،وعملا معا فور تخرجهما فى العام قبل الماضى ويقوم مؤمن بغسل الملابس وينظف عطا الخيمة وكثيرا ماكان عطا يقسو على مؤمن ويحمله تنظيف الخيمة وطهو الطعام .
جاوز شخير عطا مداه فزاد من اتساع الشق الخامس مما أدى الى انهيار السقف الذى كتم انفاس ابن خليل شلبى ، ومازال مؤمن ينظر الى السماء المظلمة الخالية من النجوم ، ويمنى النفس باعادة سقف الخيمة الى ماكان عليه قبل زواج ابيه من امه فى رحاب الحى القديم بتل تلايتيه بالصحراء الكبرى.
قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى
عضو اتحاد الكتّاب
عضو نقابة المهن السينمائيه
mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com
==================================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق