الاثنين، 29 نوفمبر 2021

 عوالم الغجر 

(30)



بغل سموه


من شارع الجمهوريه اول فيصل

بين شارعى شريف وسعودى الصناديلى

زمن الكورونا و الالعاب الناريه والمفرقعات

والمخدرات



بغل سموه


تعوّد سموه أن يتجول بمفرده على ظهر بغله  المقرب الى قلبه بين أنحاء امارته فى جوف الصحراء الكبرى  .. يسابق سموه الرياح ليرى بعينبه الرعب الذى يركب الانفار فى حدائقه الواسعة المترامية الاطراف خشية أن يدهسهم فيهرولوا بكل ماأوتو من قوة بعيدا عن نهر الطريق .. يستمتع سموه بكل مايرى من خوف فى العيون وطاعة عمياء .. يواصل سموه  جولته الصباحية التفقدية بين جنبات خيامه الكبيرة .

يضع كبيسه سعدون مسؤول دائرة التنظيم  يده على قلبه صباح كل يوم مخافة أن تصدر منه التفاتة غير مهذبة أثناء مرور سموه فيضيع مستقبله ويطرد خارج نعيم الحدائق الاميرية بعد أن تعوّد عليه منذ المجىء به فى عهد سمو الامير الاب واستمر فى الخدمة بأمر من سمو الامير الابن أدام الله نعمه كما يقول كبيسه سعدون  دائما حتى تسمعه آذان سموه المستطيلة والمنتشرة   فى كل ارجاء الصحراوات الثلاث الكبرى والوسطى والصغرى  .

كلف كبيسه سعدون  بالحفر لادخال الغاز الطبيعى فى خيمة بحر الملح اكبر خيام سموه على الاطلاق  لتكون اولى خيام سموه التى يدخلها الغاز فى قطاع الصحراء  الشمالى .. جاء كبيسه سعدون بخمسمائة عامل ليتم انجاز العمل فى يوم واحد أو على الاكثر فى يومين حتى لايتم ازعاج سموه اثناء رحلته التفقدية الصباحية ببغله القوى الحبيب الى قلبه.

بدأت أعمال الحفر مع ظهور اول اشعة لشمس اليوم ووضع كبيسه على رأس كل خمسة وعشرين نفرا  من ابناء الغجر ملاحظا يتابع سير العمل ولايتيح الفرصة لانشغال أى عامل من الخمسمائة ولو للحظة واحدة  ، ونبه على العشرين ملاحظ بأخفاء العمال فى تمام الساعة التاسعة وأعادة العمال الى مواقعهم فى تمام العاشرة والربع عقب دخول سموه الديوان .

استيقظ سموه صباح اليوم مبكرا فتناول افطاره واستقل بغله على غير العادة  فى تمام الساعة الثامنة .. انطلق البغل  صاروخا عبر ممرات حديقة بحر الملح  .. أسرع الجميع الى الاختفاء من أمام وجه سموه  حتى لاتصيبهم شظايا الحصى المتطاير من شدة وقع اقدام بغل سموه  المنطلق يسابق سرعة ضوء النهار .. لم يتنبه كبيسه سعدون الى الطامة الكبرى التى ستقع على أم رأسه .. وصل البغل حاملا سموه الى أول أعمال الحفر مثيرا  عاصفة ترابية أعمت الخمسمائة عامل والعشرين ملاحظ ومسؤول دائرة  التنظيم كبيسه سعدون .. أسرع العامل سعيد سعاده الى سب آباء راكب البغل، وقال : ماتفتح ياأعمى  ، وكان سموه كريم العين .. عاد سموه  بظهره الى الخلف بنفس سرعة الانطلاق ليتبين مصدر السب  .. انطلق صوت ضخم من فوق ظهر البغل  يستدعى كبيسه سعدون فارتعدت فرائصه مع سماعه الصوت الذى لايخطئه ابدا لكنه استبعد أن يكون هو فمازال باقيا على موعد الجولة الصباحية التفقدية لسموه  الكثير .. وصل كبيسه الى مصدر الصوت  وحين رفع رأسه سقط مغشيا عبيه .. أيقظ رجال الحاشية كبيسه المغمى عليه .. وسأل سموه عن العامل الذى سب ابائه  فقال كبيسه  وهو مطأطىء الرأس : عامل غلبان من رعايا سموكم  حفظكم الله اسمه سعيد سعاده .. أمر سموه بصرف مكافأة من الفضة تعادل شهرا من أجره سعيد  اليومى ومنحه قطعة ذهبية من صناديق سبائك الذهب تقدر بدنانير كثيرة  .. مضى سموه  الى الديوان ، وأبلغ كبيسه  العامل سعيد سعاده بمكافأة سموه  فسقط الرجل على الارض  قبل ان يكمل كبيسه تفاصيل المكافأة وتم نقله الى المشفى معتقدا أن المكافأة ستكون جزاءا ، وحين أفاق سعيد سعاده من اغماءته  ظل يدعو لسموه بطول العمر ولبغله المحبب الى قلبه بدوام الانطلاق .


قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى

عضو اتحاد الكتّاب

عضو نقابة المهن السينمائيه

mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق