عرق الغريق
يتصبب عرق صيام عبده درويش فى النصف الأخير من شهر طوبه فى قلب مياه بئر واحة الصحراء الكبرى العميقه ، وهو يغطس ويطفو ويقذف الماء من الفم والأنف .
تلف انوار النجوم المنكسرة داخل العينين الرأس فتفقد بعدها البؤرى لتكون غير محددة المعالم ، ولايستقر فى ذهنه سوى احتياجات عطيات الشماس الزوجة وعزيزه سلاّم الحماة وعدوى وزغلول وعيد وعفيفى وشحات ورضا آخر العنقود أولاده .
تقول عزيزه سلاّم الحماة : طوبه تخلى الصبيه كركوبه ، ولابد من وجود ملابس ثقيلة للستة أولاد والزوجة .. تتموج صورة الحماة لتحل محلها صورة الزوجة ، ومازال صيام عيد درويش يغطس ويطفو ويطرد الماء من الفم والانف رافعا يديه الى الأعلى مستسلما بعد أن جاوز الليل المنتصف .
تقول الزوجة عطيات الشماس : ان صادق عبد الجواد زوج جارتهم محاسن الريفيلى قد مات كافرا لأنه ألقى بنفسه فى قلب البئر بعدما عجز عن سداد ديونه .
تتداخل أصوات الستة صغار يطلبون من صيام عبده درويش مصاريفهم اليومية والأكل والشراب .. يعلو صوت عطيات مطالبة بأيجار الخيمه ليزيد عرق صيام المتدفق فى قلب ماء البئر فى السنة التى جاء فيها طوبة شديد المراس تاركا جليده فوق وجه البئز ليخترقه جسد صيام عبده كلما طفا وغطس وغرغر الماء .
احتال صيام على كبار التجار بشرائه بضاعة محدوده بالاجل ، وباع هذه البضاعة فور تسلمها ليسد بعضا من ديونه ، وحين عجز عن السداد عاود الكرّة ليشترى بالاجل ويبيع بأقل من سعر الجملة ، ويسدد بعضا آخر من ديونه ويترك قسطا يسيرا للزوجة والحماة والستة أولاد فيعجز ثانية وثالثة ورابعة وخامسة فيطارد من قبل التجار وتسوقه قدماه الى مياه البئر العميقة ، وحين يتوسط المسافة بين بداية البئز ونهايته يصعد الى أعلى السور ويطير فى الفضاء ليسقط معانقا قاعه ثم يطفو ويغطس ويغرغر الماء من الفم والأنف .
يزيد عرق الغريق حتى يؤدى الى فيضان البئر الذى أغرق الواحة ، ولم يترك أثرا للأرض الجافة فصافح الصحراء لتتوه مياهه فى أوردة الأصفر الذى يصرخ من شدة العطش ، ويظل يروى ظمأه حتى يصير أخضر بلون الطحالب التى يحملها وجهه .. تقف حجارة الجبل العالى فى وجه الماء فلايستطيع التجاوز ليصمت الغريق وتتوقف قنوات عرقه عن التدفق.
.
قصة قصيرة ل / محمود حسن فرغلى
عضو اتحاد الكتّاب
عضو نقابة المهن السينمائيه
mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق