الثلاثاء، 26 نوفمبر 2019
البركه تفجرت العيون فى قلب الشارع فأسرع الصغار يخلعون ملابسهم كى يسبحوا للعبور من الرصيف الأيمن الى الأيسر بعرض ثلاثة أمتار وعمق المتر ونصف . يحمل كل صغير ملابسه بيده اليسرى ويرفعها فى الهواء ، ويضرب وجه الماء باليمنى والقدمين فيندفع الى الأمام كل حسب قوته . يعود طلاب المدارس فيحملون حقائبهم التيلية الممتلئة بالكتب والكراريس لتمتلىء بالملابس الداخلية والخارجية والأحذية ويبعدونها عن سطح الماء ويواصلون السباحة حتى يصل كل منهم الى السلالم التى لايغطيها الماء فيتعلقون بالظاهر منها حتى يصعدون الى أدوارهم العليا بعد أن هجر كل سكان الادوار الأرضية المنطقة الى المخيمات حتى تبلع عيون أرض الشارع ماءها . لزمت السيدات وبنات البنوت المنازل لعدم المامهن بفن السباحة وفكرن كثيرا فى استخدام العوامات المطاطيه لتعينهم على التنقل من والى الأسواق حتى لايمل الرجال من صراعهم الدائم فى مسابقة السباحة لأربع أوخمس مرات يوميا ذهابا وأيابا من العمل واختراقا للأسواق تلبية لطلبات المنازل . أسرع الشيوخ الى بيوت المسنين واعتزلوا الابناء والاحفاد الذين انقطع بهم الاتصال لتخلل المياه كل شرايين وأوردة كابلات الهواتف الأرضيه وعجز القوارب الصغيرة عن قطع المسافة الكبيرة بين المنطقة وبيوت المسنين . تداخلت مياه الشرب ومياه البقايا ليشرب السكان الماء الجارى ، وجلس هواة الصيد يمسكون بسنانيرهم على الشاطئين ليلتقطوا أسماكهم الصغيره . مرّ شيخان كبيران عابرا سبيل بالشارع فانزلقت أقدامهما الى وسط البركة لتبتلعهما واحدة من الحفر التى لم يسدها عمال حفر نظارة المياه والنور والفضلات والغاز-الغير موجود بالمنطقة - والجسور والهواتف , لم تفلح محاولات ابناء المنطقة فى انتشال جثتى الشيخ عويس الزغباوى الماوردى وزوجته زاهيه ، وابتلعت حفرة ثانية من بين الحفر الست كمال ونبويه ابنى شحاته غزال القهوجى . كلّف ابناء الشيخ عويس محاميا ليرفع قضية لأبيهم وأخرى لأمهم ضد الجهات المعنيه ، وانضم اليهم شحات مطالبا بالتعويض عن صغيريه . بلغ اجمالى القضايا المرفوعه ضد النظارات المعنية أربعا وعشرين قضيه فشكلّت النظارات هيئة للدفاع وخصصت خمسة من المحامين للرد على الخصوم فى كل قضية حتى تمكن المائة والعشرون محاميا من كسب القضايا وطالبوا ابناء الشيخ عويس وشحات بأتعاب المحامين أو الحكم بالحبس فى حالة عدم القدرة على السداد . بحثت أقدام شحات وابناء الشيخ عويس عن الحفر الأربع الأخرى وانزلقوا فى قلبها لتغطيهم المياه المتدفقة من ماسورة مياه الشرب وماسورة مياه الفضلات ، وطمست كل معالمهم مياه البركه . قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى عضو اتحاد الكتّاب عضو نقابة المهن السينمائيه mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com العنوان / 18 ش الجمهوريه متفرع من ش المساكن خلف مدرسة الشهيد احمد عبد العزيز بواق الدكرور بالجيزه ================================================================================= البغال تقلب سومه بنت دوسه فى البغال التى أمامها حتى يستقر رأيها على العدد الذى ستستبقيه فى الخدمة وتستبعد المتهالك غير القادر على العمل ليأخذ طريقه الى الاعدام رميا برصاص السمّاوى المتخصص فى اصطياد كلاب الشوارع المسعورة والضالة . يتصدر شباب البغال الفتية القائمة أمام مدخل اصطبل سومه بنت دوسه الشهير فينشرح صدرها لتخصص الاقوى والاكثر تماسكا لشد عربات الباشا طحيمر البلكاوى صاحب الاقطاعية وولى نعمة العاملين بها ، وعربات الهوانم زوجته وبناته الخمس اللاتى أوشكن على الزواج . يقع اختيار سومه على أفضل ستة بغال لشد عربات الباشا وستة آخرين احتياطيا لهم فاذا مانال التعب من الاوائل حلّوا مكانهم حتى يستعيدوا قواهم فيعودوا الى العمل .. تنظر سومه باشفاق الى البغل الثالث عشر الذى يحمل تبعة شؤم الرقم وترتعد فرائصه ، ولايقوى على الوقوف فتقف سومه على قلبها وتخطو عليه بعيدا عن دموع البغل العجوز وتعطى الاشارة الى السمّاوى الذى يقود البغل الى الخارج فى الارض الفضاء خلف الاصطبل وتسمع بعد دقائق صوت الطلق النارى يخترق قلب العجوز . تقف بنت دوسه حائرة أمام تسع وتسعين بغل تود أن تستبعد منهم تسعا واربعين وتستبقى الخمسين لتوزعهم على الاعيان ممن يؤجر البغال من اصطبلها .. سيأخذ ناظر الاقطاعية أربعة بغال أساسى واربعة احتياطى لشد عرباته ، وسيأخذ مهندس الرى أربعة وأربعة ، وللعمدة ثلاثة وثلاثة ، ولكل من شيخ البلد وشيخ الخفر اثنان واثنان . تنطلق بين كل دقيقة ودقيقة طلقة من بندقية السمّاوى لتصيب العجائز من البغال فى قلوبها فتشعر سومه بنت دوسه بانتعاشة وراحة بال للتخلص من أعباء أكل هذه البغال غير المفيدة . تواصل سومه توزيع الاثنين والعشرين بغلا المتبقية على كبار الاعيان ، وتطلق الخيول على اناث الحمير فتتزاوج لتنجب بعد ذلك بغالا تحل محل البغال غير القادرة على العمل مع عدم تزاوجها فالبغال لاتنجب . قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى عضو اتحاد الكتّاب عضو نقابة المهن السينمائيه mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com العنوان / 18 ش الجمهوريه متفرع من ش المساكن خلف مدرسة الشهيد احمد عبد العزيز بواق الدكرور بالجيزه ======================================================================== الخرزه تبحث سونه النونه عن خرزتها الزرقاء التى وضعتها أمها دوسه الرايق على صدرها فى لحظة ميلادها لتحميها من شر الحاسدين ، ولم تفارقها لحظة حتى خلعتها لتضع القلادة التى أهدتها اليها عميشه خفناهى المسبله لتعيّنها مديرا لادارة الخبز بدلا من غريمتها معزوزه الوردى التى تنازعها فى تبوء كل الادارات والمناصب منذ تم تعيينهما فى يوم واحد بسن واحدة لاتزيد يوما أوتنقص . تقلّب سونه فى كل الاوراق التى أمامها على المكتب ، وتركع عميشه على ركبتيها لتبحث أسفل المكتب عن الخرزه العزيزه على قلب سونه النونه مدير عام المعايش بدائرة التمويل الداخلى فلاتجدها وترسم علامات الحزن على وجهها لتشارك مديرتها المشاعر على الفقيدة الغالية . تضع سونه يدها على صدرها وتتحسس مكان الخرزة الزرقاء المحفور منذ زمن بعيد فتصطدم يدها بالقلادة الذهبية وتنظر الى عينى عميشه الدامعتين فتطمئن الى مشاركتها الوجدانية فتتماسك وتعاود البحث ثانية . تحاول سونه الوقوف والاتجاه الى منتصف الغرفة حيث يوجد اناء الورود الخزفى الذى يتوسط المنضدة القصيرة التى تجلس عليها عميشة بعد كل محاولة للبحث عن الخرزة الزرقاء .. أفرغت سونه كل الورود الصفراء التى تعشقها من الاناء الخزفى وأدخلت يدها تتحسس كل الجوانب الخشنة فى الاناء فلم تجد خرزتها الحبيبة هدية الغالية دوسه الرايق . تعيد عميشه خفناهى المسبلة الورود الى مكانها وتفتش بعينيها فى أركان الغرفة فى محاولة جديدة للبحث عن خرزة سونه فلاتجدها .. تزلزل صرخات معزوزه الوردى باب غرفة سونه المجاور لباب غرفتها فتسرع سونه وعميشه الى نجدتها فتزداد تقلصات بطنها ، ويتم نقلها الى وحدة الرعاية الطبية بالمصلحة التى تقوم باجراء الاسعافات الأولية التى لم تفلح ، وتكشف الاشعة عن استقرار خرزة سونه الزرقاء فى معدة معزوزة بعد شربها لكأس شربات الورد فى مكتب سونه ولم تفلح محتولات الاطباء فى استخراج الخرزة الغالية . حزنت سونه النونه كثيرا على هدية أمها التى كانت تحميها من الحسد وتجلب لها الحظ .. لم تكد سونه تجلس على مكتبها حتى صدر قرار رئيس مجلس ادارة دائرة التمويل بتعيين معزوزه الوردى مديرا عاما للمعايش بدلا من سونه النونه بعد أن جاءها الحظ مسرعا على يد الخرزة الزرقاء المختبئة داخل معدتها . قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى عضو اتحاد الكتّاب عضو نقابة المهن السينمائيه mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com العنوان / 18 ش الجمهوريه متفرع من ش المساكن خلف مدرسة الشهيد احمد عبد العزيز بواق الدكرور بالجيزه =========================================================================== الدبة البيضاء خرجت الدبة البيضاء تبحث عن لون آخر غير اللون الذى يحمله أفراد جماعتها منذ زمن بعيد فلقد ملّت الدبة اللون الذى يعكس كل أشعة الشمس ويحرمها من الدفىء الذى تشعر به سائر الدببة الملونين التى تمتص جلودها كل أشعة الشمس لتخرج ألسنتها من شدة حرارة الأجساد . غادرت الدبة البيضاء أرض قومها فاتسعت المسافات وتعددت الطرق أمامها فتحيّرت فى دخول أى من الطرق الوعرة أو الممهدة التى فقدت الأشارات الدالة على وجود جماعات من الدببة الملونة مع نهاية أى طريق منها . صرخت الدبة البيضاء فى الفضاء ليأتيها الصدى ، ولم يأت اليها بصوت آخر .. صمتت الجميلة لتستمتع بترديد نهايات صوتها ثم وصل الى أسماعها همهمات بشرية فدارت بجسدها حول محور ارتكازها وفتشت بعيونها عن مصدر الهمهمة لتجد الصمت فدخلها الخوف من المجهول الذى ينتظرها على أيدى البشر . تقدم الدبة قدما وتؤخر الأخرى تجاه الطرق التى أمامها ، وأخيرا قررت العودة من حيث جاءت واستدارت لتعود وانطلقت بكل ماأوتيت من قوة فرارا من الأيدى المختبئة . حالف الحظ الدبة البيضاء لمسافة مائة مترا ثم ارتفعت فى وجهها الشباك البلاستيكية المتينة لتطرحها أرضا ثم تتكالب عليها سائر الشباك لتنقلها الى أقفاص الصيادين الحديديه .. تم حقن الدبة بمهدىء فشعرت بدوار شديد كاد أن يعصف برأسها واستكانت لحالتها خلف القضبان . جاء الصيادون بدبة بيضاء صناعية فى نفس حجم الدبة البيضاء المتمردة ، وتم تحريكها بالريموت حتى استقرت فى وسط الساحة الفضاء وأصدرت أصوات الاستغاثة المسجلة فى داخلها ليخرج حشد من الدببة الملونة من كل الطرق المؤدية الى مركز الساحة حيث صوت الدبة البيضاء الصناعية . التفت الدببة السمراء حول الدبة البيضاء التى توقف مسجل الصوت داخلها فراحوا يتشممون رائحتها التى لم ترق لهم وكانت غريبة فانصرفوا عنها لكن شباك الصيادين لم تمكنهم من المغادرة والتقطت عددا كبيرا من الدببة التى تم حقنها بالمهدئات ، وتم شحنها على السيارات لتأخذ طريقها الى المطار حتى يتم نقلها الى حدائق المدائن الكبيرة .. فرّ بعض من الدببة الملونة وعادت الى مخابئها .. رأت الدبة البيضاء مايحدث ورفضت أن تكون طعما للملونين من الدببة حتى تمكن الدببة السمراء من تحطيم الدبة الصناعية أمامها فى اليوم الخامس ، ولم يبق أمام الصيادين سوى الدبة البيضاء المتمردة فتم حقنها وتجويعها وزجّ بها الى قلب الساحة ، وأوسعها الصيادون ضربا فأصدرت أصوات الاستغاثة من شدة الضرب فأسرع الصيادون الى الاختباء ، وجاء الدببة الملونون والتفوا حول البيضاء وسال ريقهم لكن سرعان ماأفاقوا الى أنفسهم وأرادوا أن يتأكدوا من حقيقة جنس البيضاء فانهال الجميع ضربا على البيضاء لتزيد من استغاثتها حتى سقطت ميتة بعدما تسببت فى الايقاع بعشرين من الدببة الملونة ، وفقد الصيادون الدبة البيضاء المتمردة . قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى عضو اتحاد الكتّاب عضو نقابة المهن السينمائيه mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com العنوان / 18 ش الجمهوريه متفرع من ش المساكن خلف مدرسة الشهيد احمد عبد العزيز بواق الدكرور بالجيزه ========================================================================== الرايه يمد الصغار أيديهم بالملاليم والأرغفة الشمسى والقرص الى بشير فهمى كى يحصل كل منهم على بعض من الراية المملحة الملفوفة فى أحضان ورق جرائد المقطم والمؤيد والوقائع . يقف بشير فهمى صغيرا لم يتجاوز الثامنة فى ملتقى مقابر الأقباط والمسلمين فى صباح يوم عيد الفطر المبارك حيث يعشق الصغار الملوحة بعد صيام دام ثلاثين يوما . يرش بشير قليلا من ماء الملوحة على سمك الراية الصغير الذى أمامه فى قلب الصفيحة الكبيرة حتى تروق لعييون الصغار المتزاحمين حوله يكررون : بمليم رايه .. برغيف رايه .. بقرصه .. بكعكه .. ببرتقاله .. ببعض التمر . يسرع بشير الى لف اللفائف فيفرح الصغار بافطارهم المنفصل بعيدا عن أسرهم الى جوار سور جبانة قبلى البلد ، ويحصد بشير فى يوم العيد مقابل سبع صفائح يضعه فى الجوالين اللذين بجانبه حتى يمتلئان وتفرغ الصفائح ليسد احتياجات فهمى عثمان والده المريض بالربو من كثرة تعاطيه للتبغ المعسل القص الساخن ، وأمه نعمة الله حفظى لمدة شهرين وعشرة أيام الى أن يأتى عيد الأضحى المبارك ليأتى بصفائحه السبعة التى يملكها فهمى عثمان مليئة بسمك الراية المملح ليبيعها فتسد حاجتهم لمدة شهرين آخرين وعشرة أيام ليبدأ بشير فى خروجه الدائم بعد ذلك حاملا صفيحة واحدة أيام الجمع والآحاد حين يطلع الأحياء على موتاهم ترحما ، ولايبيع بشير فى هذه الأيام الا القليل من الراية المملحة حتى أن الصفيحة الواحدة تباع على مدى ثلاثة أسابيع فيقل جهد نعمة الله حفظى فى التمليح وفهمى عثمان فى لحم الصفائح ، ولاينزل بشير الترعة الا ليوم واحد بينما ينزل قبل الاعياد أيام السبت والاثنين والثلاثاء والاربعاء والخميس ليصطاد سمك الراية ببطن جلباب أمه القديم ، وتسرع نعمة الله الى وضعه طبقات فوق بعضها يفصل بينها الملح الكثير وقليل من بقايا بشير لتعجل من تسويته ، ويقوم فهمى عثمان بتسخين مكواته الحديد على نيران وابور الجاز حتى تتحول الى اللون الاحمر فيضع ماء النار على أطراف غطاء الصفيحة ويحكم اللحام ، وحين يفرغ من صفائح بشير يتجه الى مخزن تجار الملوحة الكبير - ومازال يسعل بقوة - ويبدأ فى لحم الصفائح لتخزن ويتم توزيعها على مختلف المدائن التى تحب السمك المملح . بمليم رايه .. برغيف .. بقرصه .. بكعكه .. ثم تختفى أصوات الصغار ايذانا برحيل النساء والصغار عن المقابر لتحمل نعمة الله حفظى جوالا من خير ربنا ، ويحمل بشير الجوال الثانى ويسبق أمه الى المنزل ليستحم ويرتدى جلبابه الجديد كى يلحق بالمراجيح التى تعلو به فى أجواء الفضاء ثم تهبط به الى الأرض مع اقتراب رحيل الشمس ، وليشاهد خيال الظل والأراجوز ومازالت رائحته تفوح بماء ملوحة سمك الرايه . قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى عضو اتحاد الكتّاب عضو نقابة المهن السينمائيه mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com العنوان / 18 ش الجمهوريه متفرع من ش المساكن خلف مدرسة الشهيد احمد عبد العزيز بواق الدكرور بالجيزه ================================================================================ الرماديون يستقر الشارع الرمادى فى وسط المدينة الكبيرة ويقسمها الى النصفين النصف البحرى والنصف القبلى .. يتشح النصف البحرى برقة طبع أهله وليونة لهجتهم التى تميل بشدة حتى تصل الى سطح البحر الكبير .. ينزع اهل النصف الآخر الى الشدة فى الطباع وسوء السلوك الذى يميل الى العدوانية كلما اقتربوا من أشعة الشمس الحارقة مما أدى الى عدم اهتمام المسؤولين وانصرافهم عن أهل النصف القبلى الذين يملكون منابع الماء التى تروى كل البلاد بدون مقابل ، ويسيطر الفقر على اهل الجنوب وتسيطر البشرة القاتمة على اجساد ابنائهم . ينعم ابناء الشمال بنسائم البحر الكبير والطمى الذى يحمل الخير الكثير الذى ينتج أكثر من غلة واحدة فى الموسم الواحد من مواسم السنة الاربعة فتبتهج بشرة الفلاحين ، ويلّون أحمر الدم وجنات الفتيات الشديدة البياض .. تمضى فصول ثلاثة من السنة ويأتى الشتاء قاسيا فيغطى المناطق الشمالية بالجليد الذى يصيب كل شيىء بالسكون فتفقد الكائنات حيويتها لمدة ثلاثة شهور ، قد تصل فى بعض السنين الى خمسة حتى يجيىء الربيع فيعيد الجمال الذى تتسم به المناطق لكنه لايقوى على تغيير اى ملمح من ملامح الجنوب العنيد فيفر الكثير من ابنائه الى الشارع الرمادى فى منتصف المدينة الكبيرة ليلتقون بالمنبوذين من ابناء الشمال الذين ملّوا ليونة حياتهم ويسعون الى الخشونة فتجد الفتيات ماتبحثن عنه . ينسجم الرماديون من أهل الشمال والجنوب وتطيب لهم الاقامة بين المنطقتين بالشارع الرمادى الذى يبدأ فى الاتساع ليحتل بعد سنوات قليلة خمسا جديدا من الشمال وخمسا آخر من الجنوب ، وتتوافد اليه فى مواسم الشتاء جماعات الراغبون فى الاكتساء باللون الرمادى غير المحدد والتائه بين الابيض والاسمر . يتزاوج القادمون من الجنوب بالقادمات من الشمال فيصبح لابنائهم أخوالا بلون الثلج وأعماما بلون الليل فيقضون مواسم الصيف لدى أخوالهم ومواسم الشتاء عند أعمامهم ويقيمون فى الربيع والخريف بالشارع الرمادى الذى أذاب الحدود بين النصفين وصبغ طباع اهل الجنوب بالنعومة وكسا ابناء الشمال خشونة ليلتقى الاثنان فى منتصف المدينة الكبيرة ويتلونون باللون الرمادى . قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى عضو اتحاد الكتّاب عضو نقابة المهن السينمائيه mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com العنوان / 18 ش الجمهوريه متفرع من ش المساكن خلف مدرسة الشهيد احمد عبد العزيز بواق الدكرور بالجيزه ============================================================================= الشحم اللذيذ تتدلى الالسنة المحمرة الطويلة حتى توشك ان تلامس الارض من شدة العطش والجوع .. ينتظر الحراس ميعاد الغذاء بعد ثلاثة أيام من التجويع التام .. تقترب عقارب ساعة الحائط الكبيرة من الخامسة فتتعلق العيون بها ، وحين تدق الساعة يفتح الحراس الابواب فتنطلق الكلاب المدربة كالمسعورة تفتش فى السراديب الملتوية عن الطعام والشراب . تنهى الكلاب عملية بحثها الشاق بعد خمسة عشر دقيقة عبر عشرين كيلومترا من السراديب التى يؤدى كل منها الى الآخر فى دوائر لامتناهيه توهم الداخل بقرب نهايتها البعيدة ولاتأتى الابحاسة الشم القوية لدى الكلاب المدربة . تتزاحم الكلاب حول دائرة اللحوم المستوية المطلية بالشحم ثم تشيح بوجوهها وتتراجع حتى توشك على الانصراف فيمزق الجوع جدران امعائهم ليعاودوا شم الشحم ويلعقونه حتى يكشف عن اللحم اللذيذ الذى يعشقونه . ينفض جمع الاقوياء بعد الشبع ليحل محلهم الاقل قوة حتى يشبع الجميع ، ومازالت الالسنة الحمراء الطويلة تتدلى فلامست الارض من شدة العطش .. تهتز الآذان المدربة بمجرد سماعها تساقط نقط الماء فى الحوض فتسرى الدماء فى عروقهم ويستعيدوا قواهم ويبدأون رحلة البحث فى سراديب التيه الملتوية لمدة نصف الساعة حتى يهتدى واحد من المائة الى المكان فيظل ينبح حتى يدل الآخرين الذين يسارعون الى مكانه . يرتشف الكلب الاخير آخر نقطة ماء بالحوض ويركن الجميع الى الجدران الرطبة ليناموا ويستيقظوا فى تمام العاشرة فلايجدوا الاكل أو الشرب ، ويمر اليوم الاول والثانى حتى تقترب الخامسة من ظهيرة اليوم الثالث فتسرى الهمهمات فى السماعات المنتشرة بطول السراديب فتتنبه الاجساد النائمة ، ومع دق جرس ساعة الخامسة تنطلق الكلاب الى الشحم اللذيذ الذى أدمنته وتطيل لعقه ليكشف عن اللحم المشوى أوالمسلوق والذى لم يعد يغريها ثم ترتوى بالماء الصافى . تمر الايام الثلاثة التالية ليأتى الرابع فيفاجىء الكلاب أجساد البشر المدهونة بالشحم اللذيذ فيستغربون المشهد ولايقتربون الامع سياط الحراس التى تلهب اجسادهم ليتعاملوا مع المارقين وقطاع الطريق نزلاء النفق الغربى .. تنطلق صرخات النزلاء هلعا من لعق الالسنة الحمراء الطويلة للشحم الذى يغطى كل جزء من اجزاء الجسم العارى .. تتشمم الكلاب اللحوم غير المستوية فتبعد عنها وتكتفى بالشحم اللذيذ والماء الصافى . ينتظم الحراس فى فتح السماعات ودق جرس الخامسة كل يوم فتنطلق صرخات النزلاء وتستمتع الكلاب بالشحم اللذيذ ، وذات يوم لم تكتفى الكلاب بالشحم وأطلقت أنيابها لتنهش أجساد النزلاء ليموت معظمهم بالسكتة القلبية قبل التمزيق ومات الباقى بالتمزيق . اصيبت الكلاب بالتخمة ولم تستطع التقاط أنفاسها فماتت بعد خمسة أيام ، وأقلع المارقون وقطاع الطريق عن الاقامة بالنفق الغربى لبعدهم عن الاسباب التى تؤدى الى الشحم اللذيذ الذى ستدمنه الاجيال الجديدة من الكلاب المدربة . قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى عضو اتحاد الكتّاب عضو نقابة المهن السينمائيه mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com العنوان / 18 ش الجمهوريه متفرع من ش المساكن خلف مدرسة الشهيد احمد عبد العزيز بواق الدكرور بالجيزه ================================================================================ الشغّيله تقول المرأة : ان ظفر قدم المهندز بألف من الشغّيلة ، وايش جاب لجاب وهى العين تعلى على الحاجب ؟ تتعلق آذان نساء الشغيلة بصوت كايداهم زين البراويه بنت الشغيله ، وتحلم كل امرأة أن تنجب ولدا يتخرج فى المهندزخانه حتى يصبح مثل الباشا مهندز الرى الذى باشارة من يده اليمنى يرتوى الزرع ، وحين يلّوح بيده اليسرى يصاب بالجفاف ويتضور الفلاحون جوعا . تتخير كايداهم أقوى النساء وتضع لهن جدولا لخدمة قصر الباشا بطول أيام الأسبوع فعشرة منهن ينظفن الدور الأرضى الذى يبدأ بقاعة استقبال الضيوف وتحيطها عشرة غرف موزعة على الجانبين .. تصعد العشرة نساء الأخريات على السلم المؤدى الى الدور الثانى ويبدأ التنظيف عقب خروج الباشا من باب القصر فى تمام السابعة من صباح كل يوم فى صحبة ابنه الوحيد رامى ليوصله السائق الى مدرسة البندر . توجه كايداهم زينهم كبيرة الخدم بالقصر عشرة أخريات من النساء فى صحبة طه رضاوى ساعى مكتب الباشا ليمر على دور العمده وشيخ البلد وشيخ الخفر وكبار الاعيان وزيدان باشا عبده وسلام باشا عنتر ليجمع الراتب اليومى من الخضار والفاكهة والطيور التى ستذبح لتقدم على مائدة الغداء والعشاء فى قصر سيد باشا طماى مهندس الرى . يعود رضاوى قبل أذان صلاة الظهر فتضع كل امرأة ماعلى رأسها من خير لتسلمه الى كبيرة الخدم التى تقلب فيه النظر لتستبعد الردىء وتدخل السليم الى المطبخ .. يتجمع الثلاثون أمرأة فى المطبخ الكبير يغسلن ويقطعن ويذبحن ويسوين اللحوم .. تتجول كايداهم بين نساء الشغيله فيعلو صراخها لتأتى بأسرار هانم عزيز التى تهدىء من روعها وخوفها الشديد من الباشا اذا لم تحسن النساء عملهن وينتهين منه قبل أن يعود فستفقد وظيفتها ويخرب بيتها . تهدأ كايداهم وتعطى أسرار هانم لكل امرأة حسنتها بعضا من الخبز وقليلا من الخضار فتعلو أصواتهن بالدعاء لها ويغادرن القصر لتستقبلهن بناتهن اللاتى يحملن عنهن الوجبات التى ستقيم أودهن وأود أخواتهن وآبائهن الذين يعودون من مصلحة الرى مع غروب الشمس ، وتحلم كل فتاة بفارسها الذى يشبه الباشا مهندز الرى الذى سيغدق خيرا كثيرا على أهلها الشغيله . تسرع كايداهم لتلحق بالنساء لتؤكد عليهن ابلاغ جاراتهن ممن عليهن الدور فى الغد لخدمة قصر الباشا وتكرر جملها المشهوره ليقلعن عن الحلم : ان ظفر قدم المهندز بألف من الشغيله ، وايش جاب لجاب ... تترك النساء والفتيات كايداهم تواصل وصاياها ويعدن الى منازلهن ليقابلهن الزحام الشديد والصراخ والعويل طلبا للنجدة من الغرق لتآكل تروس اغلاق ابواب القناطر . باءت كل محاولات الرجال بالفشل وتدفق الماء الغاضب ليزيل كل الابواب ويغمر بيوت الشغيله التى تحتضن نساءها ورجالها وشيوخها فلاينجو من الغرق أحد . تبدأ كايداهم كبيرة خدم القصر فى رحلة البحث عن شغيلة جدد ونساء وبنات بنوت يحلمن بسيدهن الباشا ليغدق الخير الكثير على أهلها من الشغيله . قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى عضو اتحاد الكتّاب عضو نقابة المهن السينمائيه mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com العنوان / 18 ش الجمهوريه متفرع من ش المساكن خلف مدرسة الشهيد احمد عبد العزيز بواق الدكرور بالجيزه =============================================================================== الصخرة الصغيرة تتآكل قاعدة الصخرة الصغيرة التى تستقر أعلى قمة الجبل الكبير .. تتبادل معاول الحجارين القطع فى آخر كل ليل لتزيد من منطقة التآكل ، وحتى لاتراهم الشرطة التى تجرّم قطع أحجار جبل الخير تسللت أشعة شمس اليوم الخامس والستين بعد الثلاثمائة من السنة الميلادية ، ومازال غريب غرباوى ينقب مع رجاله أسفل الجبل ليستخرج المعادن الثمينة ,, حمّل الرجل الديناميت على مائة من الأبل ، وأعطى الجمالين أجرا مضاعفا حتى لايشى به أحدهم الى الشرطة ويتم القبض عليه فيبعد عن حلمه فى العثور على كنوز الملك الحكيم التى دفنت أسفل هذا الجبل منذ آلاف السنين كما تقول مصادره المؤكدة من مخطوطات جده التى عثر عليها وهو ينقب عن الذهب أسفل جبل الخير قال له جده الغريب القادم من بلاد الشمال البعيد : ان جبل الخير جبل مبارك مرّ عليه الكثير من أولياء الله الصالحين ذهابا وأيابا ، واقامة فى كثير من الأحيان فى بعض الكهوف للعبادة بعيدا عن بطش البشر كما تقول المخطوطات ويؤكد القدامة من سكان المناطق المحيطة بالجبل ، ولذلك ارتبط اسمه بالخبر أنزل الجمالون حمولة ابلهم ، والتقطها عمال غريب غرباوى وفتحوا الصناديق ليستخرجوا أصابع الديناميت الطويلة ، وأسرعوا يزرعونها فى كل مكان تصل اليه أيديهم طبقا للخريطة .. ربط العمال الأسلاك ووصلوها بالمصادر التى تشعبت كثيرا وتوحدت حتى صارت واحدة أمسك بها غريب ، وحدد لرجاله ساعة الصفر وقت رحيل المحتفلين برأس السنة على امتداد المسطحات الخضراء المدرجة التى تملأ الجبل فى صباح أول يوم من العام الجديد غادر غريب المكان عائدا الى منزله بعد اطمئنانه على قرب موعد وصوله الى الكنوز التى ستجعله يحكم هذا الكون .. واصل العمال الانسحاب الى مخابئهم ليفسحوا الطرقات للقادمين من أهل المناطق المجاورة ألقت الشمس بثقلها على جبل الخير وكادت أن تلامس قممه .. انطلقت الوفود من المحتفلين الى الجبل تفرد المخيمات للاقامة ليلة رأس السنة ، ويجهزون الالعاب النارية التى ستحمل بسماتهم وتعبر عن سعادتهم بقدوم العام الجديد رحلت شمس اليوم الأخير من السنة فخرج رجال غريب من مخابئهم واختلطوا بالمحتفلين .. انطلقت الالعاب النارية تملأ السماء فتشيع البهجة فى القلوب .. أمسك واحد من عمال غريب بلعبة نارية وأطلقها فأصابت سلك التيار الموصل الى الديناميت المنزرع حول الصخرة الصغيرة فاشتعل لينفجر الديناميت وتسقط الصخرة ليتبعها صخوركثيره تتمكن من دفن كل المحتفلين مع رجال غريب غرباوى الذى ابتهج كثيرا لتقديم ساعة الصفر كى يتحقق حلمه الذى ظل يراوده منذ نعومة أظافره فى حكايات جده بعد سقوط الصخرة الصغيرة من جبل الخير قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى عضو اتحاد الكتّاب عضو نقابة المهن السينمائيه mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com العنوان / 18 ش الجمهوريه متفرع من ش المساكن خلف مدرسة الشهيد احمد عبد العزيز بواق الدكرور بالجيزه ================================================================================== الغوايش تصنع سوداويه جبلا من رغوة صابون الغسيل محدود القيمة .. تمرر ماتبقى من جسد الصابونة على الخمس غوايش الاولى فى معصم يدها اليمنى ، ثم تحاول الامساك بفتافيت الصابونة بيدها لتمررها على الخمس غوايش الثانية فى معصم يدها اليسرى . تغمس سوداويه يديها الاثنين فى الماجور الفخارى الكبير الذى يحمل جبل الفقاعات الكروية التى ماتلبث أن تنفجر حتى تمتلىء وتنفجر ، وتنتظر فترة طويلة من الزمن حتى يتخلل الماء مسام الغوايش فتتسع ليسهل خلعها من يدى سوداويه التى راحت للامتلاء الوراثى عن الام والجدة من فرط حبهم الشديد للشعرية التى تشبه الى حد كبير المكرونة الايطالية الطويلة والصينية أيضا . تحاول سوداويه أن تفرغ من خلع الغوايش النحاسية القديمة التى تلّونت بالصدأ الاخضر الجنزارى لطول عمرها فلقد أهداها لها عناينى البخ زوجها منذ أربعين عاما كشبكة للزواج الذى أسفر عن مولد ولد متزوج من عشرين عاما وبنت لم تتزوج لبدانتها وعدم قدرتها على الحركة . تحاول سوداوية نزع أول غويشة من اليد اليمنى فلاتتمكن وتخشى على الشعرية من فشل ابنتها التى لم تفلح فى تعليمها شيئتا من أمور المنزل .. توجه سوداويه ارشاداتها الى حليمه ابنتها عن بعد وتواصل محاولاتها فى نزع الغويشة الاولى .. تبوء كل المحاولات بالفشل فتنتقل الى اليد اليسرى لتحاول مع الاولى من الخمس غوايش نصف العشرة التى اشتراها عناينى البخ من حر ماله على مدى عشر سنوات كان يقتطع جزءا من أجر عمله كسايس فى دوار العمدة حتى تتمكن سوداويه من العزف بهن فى وجه غوايش الهانم حرم العمدة والهانم حرم شيخ البلد الفضية . تقلع سوداويه عن الاكل طوال اليوم حتى تقل نسبة انتفاخ يديها لتتمكن من نزع هذه النحاسيات التى أدمت معصميها .. يجرى ريق سوداويه على الشعرية التى نجحت ابنتها حليمه ولأول مرة فى طهيها لكنها صرفت النظر وتحولت الى جبل الفقاعات الصابونية حتى تتخلص من الالام المبرحة التى تلازمها ليل نهار بسبب شبكتها النحاسية القديمة . استدعت سوداويه ابنتها حليمة لتعينها على مصيبتها التى أشعلت صراخها فامتد ت السنتها الى آذان كل الجيران الذين تجمعوا حولها وجاءوا بعمرون الحداد الذى تمكن بعد عشر ساعات من انتزاع آخر غويشة من غوايش سوداويه شبكتها النحاسية القديمة الملونة باالصدأ الاخضر الجنزارى . قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى عضو اتحاد الكتّاب عضو نقابة المهن السينمائيه mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com العنوان / 18 ش الجمهوريه متفرع من ش المساكن خلف مدرسة الشهيد احمد عبد العزيز بواق الدكرور بالجيزه
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق