انهيار السقف
استلقى مؤمن عبد البر رديسى على سريره البالى القديم وظل ينظر
الى سقف حجرته الخشبى يتابع اتساع الشقوق حول العرق الوحيد الذى يحمله منذ جاء به
والده الى هذه الحياة ورحل ليتركه وحيدا
بعد وفاة امه وهو فى سن السادسة عشر .
كدّس الجيران أكواما من الكراكيب القديمه على سقف حجرته الوحيد المتماسك بين أسقف حجرات السطح
فى العقار رقم 15 بحارة النن بالمشهد الزينى والذى كانوا يحسدونه عليه .
أخرج أول شرخ لسانه فظل مؤمن مستلقيا على ظهره ولم يعبأ من
سخريته وأدار عينيه ليغمضها على رحلته
اليوميه التى ارهقته من والى المعهد الذى يدرس فيه متوكئا على معاش ابيه البسيط
الذى حار فى سد بعض احتياجاته من مأكل ومشرب وملبس ومواصلات وايجار غرفه حتى أشفق
عليه عميد المعهد فصرف له الكتب من رعاية شئون الطلاب بالمجان بعد أن أطال النظر
فى عينيه .
تساقطت حبات الجير المتبقية من طلاء الغرفة القديم من الشق
الثانى فلم يعرها مؤمن أدنى انتباه وجاء بجاكيت
بدلة عرس ابيه وأخذ يرتقه ليحميه من برد الشتاء القارس وعاد الى استرخائه
اسفل لحاف عبد البر رديسى الذى لم يمنعه من جليد هذا العام الذى حل بالمدينة
ليحتمى أهلها بنيران مدافىء الاخشاب .
ينتظر مؤمن دقات بسمه بنت فكيهه الشرباتى على باب الغرفة
لتدعوه الى العشاء والجلوس معهم حول المدفأة الفخار المليئة بالفحم نزولا على رغبة
فكيهة بائعة اللبن آملة فى ارتباط مؤمن ببسمه وسيلبى مؤمن الدعوة وتظل فكيهة
تحاصره وتقرّب له كل بعيد مقدمة كل التنازلات عن حقوق ابنتها كعروس حاصلة على
دبلوم تجاره ، وستكتفى بالاقامة معه فى غرفة المرحوم عبد البر رديسى وهنومه سراج
الغاليين عليها وستكتفى ايضا بتجديد بعض الاثاث لكنه اصبح غير قادر على الزواج
ومنذ تيقنت فكيهه من ذلك لم تدعه مرة واحدة على العشاء ومازال مؤمن ينتظر .
يمسك مؤمن بفستان امه القديم .. يجفف ماء مطر الامس من الشق
الثالث الذى جاوز النصف متر .. يدفع عطا خليل الباب بقدمه ويلقى باللحمة المفرومة
تموين الغد الى جانب السرير ويسبق مؤمن فى الاختباء أسفل اللحاف العتيق وهو يلتهم
سندوتشا من الاثنين اللذين لم يبعهما وعاد
بهما بعدما أغلق عربة السندوتشات التى يقف معه عليها مؤمن الذى سقط بدوره على جسده
لينتزع السندوتش المتبقى من بين فكيه .
يواصل مؤمن النظر الى السقف تحت ضوء لمبة الجاز نمره خمسه .. قرر مؤمن أن يعالج
الشق الرابع الاكثر اتساعا بحشوه بالجبس والاسمنت عندما يقوم من مرضه فى الغد
ليلحق أجر يوم من ايام الاسبوع وحتى لايستبدله حنفى سليم صاحب عربة السندوتشات
بشخص آخر .
علا شخير عطا ابن خليل شلبى فرّاش مدرسة البنات النموذجية الذى
ترك غرفة ابيه المزدحمة بالسبعة أخوه والام واقام مع صديقه مؤمن منذ عشر سنوات عقب
وفاة عبد البر رديسى ،وعملا معا فور
تخرجهما فى العام قبل الماضى ويقوم مؤمن بغسل الملابس وينظف عطا الغرفة
وكثيرا ماكان عطا يقسو على مؤمن ويحمله تنظيف الغرفة وطهو الطعام .
جاوز شخير عطا مداه فزاد من اتساع الشق الخامس مما أدى الى
انهيار السقف الذى كتم انفاس ابن خليل شلبى ، ومازال مؤمن ينظر الى السماء المظلمة
الخالية من النجوم ، ويمنى النفس باعادة سقف الغرفة الى ماكان عليه قبل زواج ابيه من امه فى رحاب المشهد الزينى .
قصة قصيرة بقلم / محمود حسن فرغلى
عضو اتحاد الكتّاب
عضو نقابة المهن السينمائيه
mahmoudhassanfarghaly@yahoo.com
العنوان / 18 ش الجمهوريه متفرع من ش
المساكن
خلف مدرسة الشهيد احمد عبد العزيز
بواق الدكرور بالجيزه